والتعذير ، والاحتياط العقلي يوجب العمل بخبر الثقة المنجّز فقط دون المعذّر ، إذ لا احتياط في العمل بخبر الثقة النافي للتكليف.
وعلى هذا ، فلا يمكن رفع اليد عن العموم أو الإطلاق لمجرّد أنّ العمل بخبر الثقة المنجّز موافق للاحتياط ، ففي المثال المذكور لا يمكن التخصيص أو التقييد بالخبر الدال على حرمة لحم الأرنب ، لأنّه لم تثبت حجيّته بعد ، بينما العموم والإطلاق حجّة ، ورفع اليد عن الحجّة لا يكون إلا بحجّة أقوى والحال أنّه لا يوجد حجّة أقوى في مفروض الكلام ، وهذا فارق عملي بين القول بحجيّة خبر الثقة تعبّدا ، وبين القول بوجوب العمل به من باب الاحتياط ومنجزية العلم الإجمالي.
اللهمّ إلا أنّ يقال : إنّ مجموعة العمومات والمطلقات الترخيصيّة في الأدلّة القطعيّة الصدور يعلم إجمالا بطروّ التخصيص والتقييد عليها ، فإذا لم تثبت حجيّة خبر الثقة بدليل خاص فسوف لن نستطيع أن نعيّن مواطن التخصيص والتقييد ، وهذا يجعلنا لا نعمل بها جميعا تنفيذا لقانون تنجيز العلم الإجمالي.
وبهذا ننتهي إلى طرح إطلاق ما دل على حلية اللحوم في المثال والتقيّد احتياطا بما دلّ على حرمة لحم الأرنب مثلا ، وهذه نتيجة مشابهة للنتيجة التي ينتهى إليها عن طريق التخصيص والتقييد.
نعم ، قد يقال هنا : إنّ عدم التخصيص والتقييد بخبر الثقة ـ لأنّه ليس حجّة شرعا ـ يوجب أن يكون العموم والإطلاق حجّة وبالتالي لا نرفع اليد عنهما أبدا ، بل نطرح هذا الخبر الدال على التقييد أو التخصيص تمسكا بما هو حجّة وطرحا لما لم تثبت حجيّته.
وهذا المقدار لا يمكن الالتزام به ؛ وذلك لأنّنا نعلم إجمالا بطروّ المقيّدات والمخصصات لكثير من العمومات والإطلاقات ، حتّى اشتهر القول : إنّه ما من عام إلا وقد خصّ. فهذا العلم الإجمالي يثبت صدور المقيّدات والمخصّصات في الشريعة ، ونحن نحتمل أن يكون هذا العلم الإجمالي موجودا ضمن دائرة أخبار الثقات الدالة على التخصيص والتقييد ، وهذا علم إجمالي منجّز يوجب الموافقة القطعيّة ، ومفاده لزوم العمل بأخبار الثقات المخصّصة والمقيّدة من باب الاحتياط العقلي ومنجزية العلم الإجمالي وبالتالي نرفع اليد عن عموم العام وإطلاق المطلق في كل مورد ثبت فيه خبر الثقة الدال على التخصيص أو التقييد.