ففي المثال المذكور نلتزم بحرمة لحم الأرنب لا من باب كون خبر الثقة الدال على الحرمة مخصّصا أو مقيّدا للعموم أو الإطلاق لأنّه لم تثبت حجيّته بعد ليرفع اليد به عمّا هو ثابت الحجيّة ، وإنّما نلتزم بذلك من باب الاحتياط العقلي والعلم الإجمالي الذي مفاده وجود المخصصات والمقيّدات لكثير من العمومات والمطلقات ، وحيث إنّ هذا العام والإطلاق يحتمل كون التقييد والتخصيص قد صدر له واقعا ، فلا يمكن الأخذ به ؛ لأنّ العلم الإجمالي ينجّز لنا كل المقيّدات والمخصّصات ضمن دائرة أخبار الثقات ويوجب العمل بها تطبيقا لقانون منجزية العلم الإجمالي لكل أطرافه.
وحينئذ سوف ننتهي إلى نفس نتيجة القول بحجيّة خبر الثقة المخصّص أو المقيّد للعموم والإطلاق ، لأنّنا رفعنا اليد عن العموم والإطلاق عمليّا وإن كنّا لا نحكم بالتخصيص والتقييد لأنّه لم تثبت الحجيّة لخبر الثقة.
فيكون الفارق نظريا بين كون خبر الثقة حجّة تعبدا وبين كونه يجب العمل به احتياطا في مثل هذا المورد (١).
الشكل الثاني للدليل العقلي ما يسمّى بدليل الانسداد ، وهو ـ لو تمّ ـ يثبت حجيّة الظن بدون اختصاص بالظن الناشئ من الخبر فيكون دليلا على حجيّة مطلق الأمارات الظنية بما في ذلك أخبار الثقات ، وقد بيّن ضمن مقدمات :
الشكل الثاني للدليل العقلي على حجيّة خبر الثقة : ما يسمّى بدليل الانسداد ، وهذا الدليل لو تمّ فهو يثبت لنا حجيّة مطلق الظن لا خصوص الظن الناشئ من خبر الثقة ، بل الأعم منه ومن الظن الناشئ من الشهرة والإجماع المنقول والقياس وكل الأمارات الظنية ، فيكون كل ظن حجّة بحكم العقل أي أنّ العقل هو الذي يحكم بالحجيّة لمطلق الظن ، وهذا ما يسمّى بمسلك الحكومة ، أو يكون العقل كاشفا عن جعل الحجيّة لمطلق الظن شرعا أي أنّ الشارع حكم بحجيّة كل ظن والعقل كشف عن ذلك وهذا ما يسمّى بمسلك الكشف.
__________________
(١) نعم ، تبقى مسألة الآثار واللوازم الأخرى فإنّها تثبت على القول بحجيّته لأنّه من جملة الأمارات حيث انّ مثبتات الأمارة حجّة ، بينما لا تثبت على القول بأنّه يجب العمل به احتياطا لأنّ الاحتياط يتقدّر بمقداره ، حيث إنّه احتياط عقلي والاحتياط العقلي من جملة الأدلّة اللبّية فيقتصر فيه على القدر المتيقن ولا يتعدّى إلى أكثر من ذلك.