الخاص على حجيّة هذه الطرق الخاصّة التي يدعى أنّها مجعولة من الشارع ، وما يذكر من أدلة على ذلك كلّها ظنيّة لا توجب العلم.
وهذا معناه أنّ باب العلم الوجداني وباب العلم التعبّدي منسدّان لا يمكن التعويل عليهما في تشخيص الأحكام والتكاليف الشرعيّة الموجودة ضمن دائرة مجموع الشبهات ، وهذه المقدّمة تسمّى بانسداد باب العلم والعلمي أي انسداد باب العلم الحقيقي الوجداني وباب العلمي أي ما جعله الشارع كالعلم أي العلم التعبّدي (١).
الثالثة : أنّ الاحتياط بالموافقة القطعيّة للعلم الإجمالي المذكور في المقدّمة الأولى غير واجب ، لأنّه يؤدّي إلى العسر والحرج نظرا إلى كثرة أطراف العلم الإجمالي.
المقدّمة الثالثة : أنّ هذا العلم الإجمالي المنجّز لمجموع الأحكام والتكاليف ضمن دائرة الشبهات لا يمكن موافقته القطعيّة ، وذلك عن طريق الاحتياط العقلي في كل شبهة من الشبهات الالزاميّة ، لأنّ هذا الاحتياط يؤدّي إلى العسر والحرج ، إذ لا يمكن للإنسان أن يحتاط في كل هذه الشبهات ، لأنّها كثيرة جدا تخرج عن حدّ الحصر ، ولذلك لا يمكن الرجوع إلى الاحتياط التام في كل الشبهات الدالة على الإلزام لهذا المحذور.
مضافا إلى أنّ الشريعة الإسلامية يعلم أنّها غير مبتنية على الاحتياط بمعنى أنّها لا تتبنى الاحتياط كمسلك عام يسلكه الناس جميعا في كل الشبهات ، لأنّها شريعة سمحاء مبتنية على التخفيف والتوسعة على الناس ، ورفع الحرج والمشقّة والضيق عنهم ، والحال أنّ سلوك الاحتياط التام يؤدّي إلى خلاف روح هذه الشريعة (٢).
__________________
(١) وهذه المقدّمة هي الأساس الذي يبتني عليه دليل الانسداد ، إذ لو قيل بانفتاح باب العلمي أي لو ثبت قيام الدليل القطعي الخاص على حجيّة بعض الأمارات والطرق لكان التعويل عليها في اكتشاف الأحكام والتكاليف ضمن تلك الشبهات ، ولذلك تكفي هذه المقدّمة عن سائر المقدّمات.
(٢) وثالثا : أنّ الاعتماد على الاحتياط التام في سائر الشبهات لكل الناس يؤدّي إلى اختلال النظام الاجتماعي للناس لما يحتويه من التوقف والإرجاء والتكرار والتريث في كثير من المواقف والموارد التي لا تتحمل بطبيعتها ذلك.
ورابعا : يؤدّي إلى عدم حصول الترخيص والإباحة ونحوهما من الأحكام الترخيصيّة ، لأنّ المكلّف سوف يحتاط دائما في كل شبهة يحتمل فيها التكليف الإلزامي ، وهذا الأمر موجود في كل مورد ، لأنّه لن يحصل على العلم الوجداني كما هو المفروض سابقا.