الرابعة : أنّه لا يجوز الرجوع إلى الأصول العمليّة في كل شبهة بإجراء البراءة ونحوها ، لأنّ ذلك على خلاف قانون تنجيز العلم الإجمالي.
المقدّمة الرابعة : إنّه اذا لم يمكن التعويل على الاحتياط لاستلزامه العسر والحرج ، إلا أنّه مع ذلك لا ينحل هذا العلم الإجمالي ولا تبطل منجزيته ، وهذا معناه أنّه لا يجوز الرجوع إلى الأصول العمليّة الترخيصيّة ، كالبراءة والطهارة والحلية والتخيير واستصحاب عدم التكليف ، لأنّ جريان مثل هذه الأصول يؤدّي إلى الترخيص في كل شبهة من الشبهات ، وبالتالي يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال ، وحيث إنّنا نعلم إجمالا بوجود تكاليف إلزامية ضمن هذه الشبهات ، فجريان الأصول الترخيصيّة فيها جميعا يؤدّي إلى ترك التكليف المعلوم بالإجمال ، وهذا ممنوع عقلا.
مضافا إلى أنّ العلم الإجمالي نفسه يقتضي عدم جريان الأصول الترخيصيّة في أطرافه ، لأنّها قد تنجّزت به ومعه لا مجال لجريان الأصول ، لأنّها إنّما تجري في الشبهات التي لم تتنجز بعد.
وثالثا : أنّ جريان الأصول الترخيصيّة في كل الشبهات معناه أنّه لا توجد أحكام إلزامية وجوبية أو تحريمية ، وهذا بديهي البطلان.
الخامسة : أنّه ما دام لا يجوز إهمال العلم الإجمالي ، ولا يتيسّر تعيين المعلوم الإجمالي بالعلم والعلمي ، ولا يراد منا الاحتياط في كل واقعة ، ولا يسمح لنا بالرجوع إلى الأصول العمليّة ، فنحن إذن بين أمرين : إمّا أن نأخذ بما نظنه من التكاليف ونترك غيرها ، وإمّا أن نأخذ بغيرها ونترك المظنونات ، والثاني ترجيح للمرجوح على الراجح ، فيتعيّن الأوّل.
وبهذا يثبت حجيّة الظن بما في ذلك أخبار الثقات.
المقدّمة الخامسة : وهي النتيجة للمقدمات السابقة حيث يقال : إنّه ما دام هناك علم إجمالي منجّز للتكاليف ضمن دائرة الشبهات كلّها ، وهذا العلم الإجمالي لا يجوز إهماله لأنّه كما تقدّم يؤدّي إلى إهمال التكاليف المعلومة بالإجمال ، وما دام هذا المعلوم بالإجمال لا يمكن تعيينه لا بالعلم الوجداني ولا بالعلم التعبّدي لانسدادهما كما هو المفروض ، وما دام الاحتياط غير ممكن لاستلزامه العسر والحرج ،