الاحتمال الثاني : أن تكون في مقام إنشاء استحباب واقعي نفسي على طبق عنوان البلوغ ، أي أنّه بمجرّد أن يتحقّق هذا العنوان فإنّه يكون الفعل مستحبا واقعا وفي نفسه لا مجرّد استحباب ظاهري طريقي حفاظا على ملاكات الواقع ، بل استحباب نفسي حقيقي مجعول شرعا على عنوان البلوغ باعتباره عنوانا ثانويا ، فالعنوان الأولي للشيء الذي بلغنا عليه الثواب قد لا يكون هو الاستحباب ؛ لأنّ هذا الخبر ضعيف وغير ثقة فقد يكون كاذبا ، وبالتالي لا يكون ما أخبر به ثابتا في الواقع ، إلا أنّه لمّا تحقّق عنوان البلوغ صار لهذا الشيء حكم ثانوي آخر وهو الاستحباب مجعول على عنوان البلوغ.
الاحتمال الثالث : أن تكون هذه الروايات مفادها الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الاحتياط ، وأنّ المحتاط يستحق الثواب بحكم العقل ؛ وذلك لأنّه لا شكّ في أنّ الاحتياط حسن على كل حال ، إذ العقل يحكم بحسنه ، بل بوجوبه في كثير من الموارد تحفظا على أحكام الشارع ورعاية لحقه ولمولويته والتزاما بطاعته ، فالعقل يرى حسن الاحتياط ، وأنّ من يفعل شيئا احتياطا يكون مستحقا للثواب ؛ لأنّه كالمنقاد الذي يحترم حدود المولى ويحافظ على طاعته والالتزام بكل تكاليفه وتشريعاته ، فيما أنّ العقل يرى ذلك فتكون هذه الروايات إرشادا إلى هذا المطلب ، وأنّ ما حكم به العقل صحيح ومؤيد من الشارع أيضا ، وهذا ما ذهب إليه السيّد الخوئي.
الاحتمال الرابع : أن تكون وعدا مولويا لمصلحة في نفس الوعد ، بمعنى أنّ هناك وعدا من الشارع لمن بلغه الثواب على هذا العمل فعمله ، لكنّه لم يكن ثابتا في الواقع ، بأنّه إذا فعل ذلك فإنّ الشارع سوف يعطيه مثل هذا الثواب الذي وصله وبلغه ، ومن المعلوم أنّ الشارع إذا وعد بشيء وفى به.
وهذا الوعد كان من أجل مصلحة رآها الشارع ولعلها احترام النبيّ وتعظيم أقواله أو الاحتياط في الالتزام بكل ما يسمعه الشخص أو ينقل إليه عن النبيّ لأنّ الالتزام بأقواله كلّها يحافظ على الأقوال الصادرة منه واقعا ، فيكون لهذا الوعد فائدة كبرى من هذه الناحية ، وبالتالي يكون الموعود له مطيعا لله وللرسول ومستحقا للثواب على ذلك.
والفارق بين هذه الاحتمالات الأربعة من الناحية النظرية واضح ، فالاحتمال الثالث يختلف عن الباقي في عدم تضمنه إعمال المولوية بوجه ، والاحتمالان