قد يشكل على الاستدلال بالسيرة المتشرعية أنّها وإن كان يحرز انعقادها فعلا أيام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام ، إلا أنّ هذا العمل كان قائما على الأخذ بظواهر ألفاظ الكتاب الكريم والسنّة الشريفة ، ـ أي بالظهور اللفظي ـ وأمّا سائر الظواهر التي يراد إثبات حجيّتها كالظهور الحالي مثلا الذي لا دلالة عليه في الكلام فكيف يمكننا التأكد أنّ سيرة المتشرّعة كانت قائمة فعلا على الأخذ به ، مع عدم اليقين بذلك؟ بل حتّى بعض الظهورات اللفظيّة الخفية لا يمكن التأكد واليقين بالعمل والأخذ به من خلال سيرة المتشرّعة ، وبما أنّ السيرة دليل لبّي فيقتصر فيه على القدر المتيقن لا أزيد وهو هنا الظواهر اللفظيّة الواضحة والجلية دون غيرها.
وبهذا تكون سيرة المتشرّعة عبارة عن قضيّة خارجية شخصيّة لا يمكن تعميمها لكل الحالات الأخرى ، فهي تثبت العمل والأخذ بالظواهر بنحو مجمل ، وقدره المتيقن هو الظواهر اللفظيّة الواضحة فتكون قضيّة مهملة بقوّة الجزئيّة ، فكيف يمكن استفادة حجيّة الظهور منها ، كقاعدة كلية عامّة تشمل كل موارد الظهور وأقسامه؟!
ومثال ذلك : أنّ احتمال اتّصال الكلام بقرينة متّصلة يعتبر من الحالات التي وقع الخلاف فيها ، بمعنى أنّ احتمال وجود مثل هذه القرينة في الكلام هل يمنع من انعقاد ظهور الكلام أو لا يمنع من ذلك؟
مذهب المشهور أنّ ذلك لا يمنع من التمسّك بالظهور ، بل يبقى الظهور على حجيّته ما لم تحرز هذه القرينة المتّصلة ، فاحتمال وجودها عندهم كالقطع بعدمه.
بينما اخترنا نحن أنّ احتمال وجود القرينة المتّصلة كالقطع بوجودها يمنع من انعقاد ظهور الكلام إذ من المحتمل أن تكون هذه القرينة على فرض اتصالها ووصولها إلينا مانعة وصارفة للظهور ، فكيف يمكن الاعتماد على الظهور والقول بحجيّته؟ فلو وصل إلينا حديث مقتطع الذيل واحتملنا أن يكون هذا المقتطع قرينة صارفة للظهور فكيف يمكننا التمسّك به؟
ولذلك قلنا : إنّ هذا الاحتمال يوجب على الأقلّ الإجمال في الدليل وعدم القطع بظهوره ، ومع عدم القطع بالظهور فكيف يقال بحجيّته ويتمسك بها ؛ إذ الحجيّة فرع التسليم أوّلا بظهور الكلام في المعنى وهذا غير متحقّق في الفرض المذكور؟