الإشكال الثاني : على السيرة العقلائيّة هو : أنّ السيرة العقلائيّة وإن كانت منعقدة فعلا على العمل بالظهور لاكتشاف المراد الجدّي للمتكلّم بحيث يكون ظاهر كلامه هو مراده الجدّي وإلا لبيّن ما يدلّ عليه ، إلا أنّ هذا لا ينفعنا في إثبات حجيّة الظهور بالنسبة لكلام الشارع ؛ وذلك لوجود فارق كبير ومهم جدا بين معقد السيرة وبين ظهورات الشارع ، حيث إنّ السيرة معقدها الإنسان العرفي الذي عادة وغالبا ما لا يعتمد على القرائن المنفصلة ، بل يذكر كل ما له دخالة في مراده الجدّي في شخص كلامه ، ويكون غريبا ونادرا عند العقلاء الاعتماد على القرائن المنفصلة في توضيح المراد وبيانه ، ولذلك كان ما يظهر من كلام هذا الإنسان العرفي الاعتيادي حجّة له وعليه.
وأمّا بالنسبة لكلام الشارع فإنّ اعتماده على القرائن المنفصلة في بيان مراده الجدّي كثير جدا ، حتّى اشتهر القول بأنّه ما من عام إلا وقد خصّ ، وهذا يعني أنّه من المحتمل قويا ألا يكون مراده الجدّي هو ما ظهر من كلامه الآن ؛ لاحتمال أن يأتي بقرينة منفصلة تكشف عن المراد الجدّي المخالف لهذا الظهور.
وحينئذ كيف يمكننا أن نستدل على حجيّة ظهور كلام الشارع مع احتمال وجود القرينة المنفصلة أو مع احتمال صدورها فيما بعد؟ باعتبار أنّ طريقة الشارع في محاوراته تختلف عن طريقة العقلاء في محاوراتهم فلا يمكن لسيرة العقلاء أن تكون حجّة كاشفة عن أنّ الشارع يقبل حجيّة الظهور ولو في خصوص هذه الحالة للعلم باختلافهما.
وعلى هذا فيكون كلام الشارع مجملا إذا احتمل ورود القرينة المنفصلة على الخلاف وهو بقوّة القضيّة المهملة فيؤخذ منه بالقدر المتيقن فقط لا أكثر.
وهذا الاعتراض إنّما قد يتّجه إذا كان دليل الإمضاء متطابقا في الموضوع مع السيرة العقلائيّة ، فكما أنّ السيرة العقلائيّة موضوعها المتكلّم الاعتيادي الذي يندر اعتماده على القرائن المنفصلة كذلك دليل الإمضاء ، ولكنّ دليل الإمضاء أوسع من ذلك ؛ لأنّ السيرة العقلائيّة وإن كانت مختصّة بالمتكلم الاعتيادي إلا أنّها تقتضي الجري على طبقها في كلمات الشارع أيضا ، إما للعادة أو لعدم الاطلاع إلى فترة من الزمن على خروج الشارع في اعتماده على القرائن المنفصلة عن