أصالة الظهور ، بل يرجع إلى أصالة الظهور مباشرة ، لأنّ كاشفيّته هي المناط في نفي القرينة المنفصلة ، لا أنّها مترتبة على نفي القرينة بأصل سابق.
وأمّا الاحتمال الثاني الذي ذكره الميرزا : من أنّ موضوع حجيّة الظهور هو المدلول التصديقي مع عدم صدور القرينة المنفصلة ، فهو صحيح بالنسبة للجزء الأوّل ـ أي أن المدلول التصديقي موضوع للحجيّة كما تقدّم في الرد على الاحتمال الأوّل ـ لأنّه هو الكاشف عن المراد الجدّي الواقعي للمتكلّم ، إلا أنّ الجزء الثاني ليس صحيحا إذ يكفي عدم العلم بصدور القرينة المنفصلة سواء كانت صادرة واقعا أم لا.
وتوضيح ذلك : أنّنا ذكرنا في الفارق بين الاحتمالين الثاني والثالث أنّه على الثاني لا يمكننا التمسّك بأصالة الظهور ابتداء في حالة الشك في صدور القرينة المنفصلة بل نحتاج إلى أصالة عدم القرينة بخلافه على الاحتمال الثاني فإنّه يتمسك بأصالة الظهور ابتداء كما هو الصحيح. وهنا نقول : إنّه لا معنى لأصالة عدم القرينة المذكورة في فرض الشك في صدور القرينة المنفصلة ؛ وذلك لأنّ هذه الأصالة والتي هي من الأمارات العقلائيّة إذا كانت تعبديّة محضة من دون أن يكون لها كاشفيّة عن الواقع وعن المراد الجدّي للمتكلّم فهذا مخالف للأمارات العقلائيّة من أنّها تكون بداعي الحيثية الكاشفة ، إذ لا وجود للتعبّدات المحضة في حياة العقلاء ، فيتعيّن أن يكون العمل بهذه الأصالة بناء على كاشفيتها ، وحينئذ لا بدّ أن نعرف ما هو المنشأ لهذه الكاشفيّة الذي من أجله بنى العقلاء على هذه الأصالة في الفرض المذكور.
والجواب : أنّه لا مبرّر ولا منشأ لهذه الكاشفيّة سوى أصالة الظهور ؛ وذلك لأنّ المتكلّم إذا صدر منه كلام فإنّ كان نصّا فلا بحث لحجيّة الظهور أصلا كما تقدّم ، وإن كان مجملا لم يكن له ظهور في معناه فلا يمكننا الأخذ به ، بل نتوقف وننتظر إلى أن يأتي ما يدلّ عليه ويفسّره وإلا أخذنا بالقدر المتيقن فيه ، وإن كان له ظهور في معناه أخذنا بهذا الظهور وعملنا به. فإذا احتملنا صدور قرينة منفصلة على الخلاف كان هذا الاحتمال منفيا بنفس ظهور الكلام في معناه بمعنى أنّ هذا الظهور الذي هو حجّة لا ترفع اليد عنه إلا بحجّة أقوى منه وهذه الحجّة الأقوى لم تثبت بعد فلا يوجد مبرّر لرفع اليد عن هذا الظهور فنتمسك به.
وهذا معناه أنّ نفي هذا الاحتمال يكفي فيه التمسّك بالظهور وكونه حجّة ولا