فأصالة الظهور أصل عقلائي وجودي يتمسك بها في كل مورد أحرز فيه الظهور التصديقي للكلام إمّا وجدانا بأن علمنا يقينا بعدم القرينة المتّصلة والمنفصلة على الخلاف ، وإما بأصل عقلائي آخر كأصالة العموم أو الإطلاق أو الحقيقة ، ونحوها من الأصول اللفظيّة الوجودية التي ترجع في حقيقتها إلى أصالة الظهور عند الشك في كون المدلول التصديقي هو العموم أو الاطلاق أو الحقيقة ، أو عند الشك في إسقاط القرينة المتّصلة لاحتمال إسقاط الناقل لها فإنّ هذا الاحتمال ينفي كما تقدّم تمسّكا بوثاقة وشهادة الناقل الضمنيّة السلبية ، فإنّ الوثاقة والشهادة من الكواشف الظنية العقلائيّة عن المراد الجدّي والواقعي.
بينما أصالة عدم القرينة التي هي أصل عقلائي سلبي تجري في كل مورد احتمل فيها وجود القرينة المتّصلة من جهة احتمال الغفلة والخطأ وعدم الانتباه كما تقدّم في الصورة الأولى ، فإنّ هذه القرينة تنفى بأصالة عدم الغفلة التي قلنا : إنها تسمّى بأصالة عدم القرينة أيضا ، لأنّه إذا انتفت الغفلة فتنتفي القرينة أيضا.
والحاصل : أنّ كلا من هذين الأصلين أصل مستقل في نفسه عن الآخر له مورده وموضوعه الخاص به ولا يرجع أحدهما إلى الآخر ؛ لأنّ أصالة الظهور عبارة عن أصل وجودي يتمسك فيها بما هو موجود ، بينما أصالة عدم القرينة أصل عدمي يتمسك فيها لنفي وجود شيء.
وخالف في ذلك الشيخ الأنصاري رحمهالله حيث أرجع أصالة الظهور إلى أصالة عدم القرينة كما هو المتراءى من بعض عبائره ، بمعنى أنّ الشك في الظهور وانعقاده مسبّب عن الشك في وجود القرينة وعدمها ، فإذا كان هناك قرينة على الخلاف فلا ظهور وإن لم يكن هناك قرينة فالظهور تام ، وهذا معناه أنّ أصالة عدم القرينة هي التي تنقّح أصالة الظهور دائما ، فأصالة الظهور في طول أصالة عدم القرينة.
والوجه في كلامه ما أفاده المحقّق العراقي من أنّ القول بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة لازمه القول المذكور ، إذ لو كان هناك قرينة ولكنّه لم يذكرها كان معناه أنّه أخرّ البيان عن وقت الحاجة فدائما إذا انتفت القرينة تنقّحت أصالة الظهور.
وخالف أيضا في ذلك صاحب ( الكفاية ) رحمهالله حيث أرجع أصالة عدم القرينة إلى أصالة الظهور ؛ وذلك لأنّ الشك في وجود القرينة وعدمها راجع إلى