إفهامه ، ولأجل ذلك لم تنقل إلينا هذه القرينة لأنّها ليست لفظا لتذكر في الرواية.
وعلى هذا فلا تنفعنا أصالة عدم الغفلة هنا لوجود مناشئ أخرى ، وهذه المناشئ الأخرى لا يمكن نفيها بأصل عقلائي آخر ، لأنّنا نعلم إجمالا باختفاء كثير من القرائن بسبب الضياع أو الاتلاف وغيرها ، وعليه فلا يكون ظهور الكلام حجّة ما لم يحرز عدم وجود القرينة على الخلاف ، ومع وجود هذا الاحتمال لا يمكن التمسّك بحجيّة الظهور.
وقد اعترض على ذلك جملة من المحقّقين بأنّ أصالة عدم القرينة أصل عقلائي برأسه يجري لنفي احتمال القرينة في الحالة المذكورة ، وليس مردّها إلى أصالة عدم الغفلة ليتعذّر إجراؤها في حق غير المقصود بالإفهام الذي يحتمل تواطؤ المتكلّم مع من يقصد إفهامه على القرينة.
وقد اعترض على هذا التفصيل جملة من العلماء المحقّقين كالشيخ وغيره ، وذهبوا إلى عدم الفرق في الحجيّة بين من قصد إفهامه وبين غيره ؛ وذلك لأنّ احتمال وجود القرينة على الخلاف بالنسبة لمن قصد إفهامه ينفى بما ذكر من أصالة عدم الغفلة وأمّا بالنسبة لمن لم يقصد بالإفهام فإنّ هذا الاحتمال ينفى بأصالة عدم القرينة ، فإنّ أصالة عدم القرينة أصل عقلائي قائم بذاته بنحو مستقل عن أصالة عدم الغفلة وليس مردّه إليها ليقال بعدم جريانه هنا.
والوجه في ذلك : أنّ سيرة العقلاء قائمة على الأخذ بظهور كلام المتكلّم عند عدم وجود القرينة على الخلاف ويبنون على عدم وجود مثل هذه القرينة عند احتمالها على أساس أصالة عدم القرينة من دون فرق بين من قصد إفهامه وغيره.
وكذلك سيرة أهل اللسان والعرف والمحاورة في التمسّك بظاهر كلام المتكلّم عند عدم القرينة على الخلاف من دون فرق أيضا.
وسيرة العلماء على ذلك أيضا ، فإنهم يأخذون بالإقرار والوصية والشهادة الواصلة إليهم كتابة ويعملون بظاهرها مع أنّهم ليسوا مقصودين بالإفهام ، ويعتمدون على أصالة الحقيقة أيضا عند عدم وجود القرينة على الخلاف ، بل إنّ سيرة المتشرّعة قائمة على العمل بظواهر الأخبار التي نقلت إليهم عن الأئمّة السابقين كما تقدّم سابقا مع أنهم ليسوا مقصودين بالإفهام.
وهناك الكثير من الأدلّة والشواهد على عدم الفرق بين من قصد إفهامه وبين غيره