أمّا النوع الأوّل : وهو السيرة بلحاظ الأحكام الواقعيّة كجواز التصرّف في ملك الغير بمجرّد رضاه وكالملكيّة بمجرّد الحيازة ، فيمكن الاستدلال بهذه السيرة على ثبوت الحكم الواقعي على طبق هذه السيرة ، فيستكشف منها أنّ الشارع قد حكم بجواز التصرّف بملك الغير بمجرّد رضاه ، وأنّه قد حكم بالملكيّة بمجرّد الحيازة.
وتقريب ذلك : أنّ للشارع أحكاما واقعيّة ثابتة في كلّ الوقائع والقضايا إمّا بنحو التفصيل أو بنحو العموم ، وهذا معناه أنّ للشارع حكما بشأن تحقّق الملكيّة بالحيازة أو عدمها ، وبجواز التصرّف في ملك الغير أو بحرمته ، فإذا كان هذا الموقف العقلائي موافقا للحكم الشرعي الواقعي كان سكوت المعصوم عنه صحيحا وله مبرّر عقلي وبالتالي يكون سكوته إمضاء لصحّة البناء العقلائي.
وأمّا إذا لم يكن هذا الموقف العقلائي مطابقا للواقع بمعنى أنّ الشارع لم يكن حكمه الواقعي على وفق ما سار عليه العقلاء ، فهنا يجب على المعصوم المعاصر والشاهد لهذا الموقف أن يردع عنه وينبّههم إلى الموقف الشرعي الصحيح ، وحيث إنّه سكت ولم يردع دلّ سكوته على أنّ هذا الموقف ليس مخالفا للشرع ، وإلا لكان المعصوم مفوّتا لغرضه أو راضيا بالمنكر أو لا يريد بناء مجتمع صالح ، وهذه كلّها مستحيلة بحقّه لمقام العصمة التي يتّصف بها ، والتي تجعله مدافعا عن الشريعة وناهيا عن المنكر ورادعا عنه ـ مع توفّر شروطه ـ ومرشدا وهاديا لبناء مجتمع صالح وعادل ، ولذلك تجري هنا كلّ تلك الأدلّة الثلاثة التي ذكرت لاستكشاف الإمضاء من سكوته وعدم ردعه ، وبالتالي يثبت الحكم الشرعي الواقعي وأنّه مطابق لما قامت عليه السيرة العقلائيّة.
وهذا ممّا لا إشكال فيه ، ولذلك تكون السيرة العقلائيّة حجّة أي منجّزة ومعذّرة لا بذاتها ، وإنّما بواسطة إمضاء المعصوم لها المستكشف من سكوته وعدم ردعه.
وأمّا النوع الثاني : فيستدلّ به عادة على أحكام شرعيّة ظاهريّة ، كحكم الشارع بحجّيّة قول اللغوي وحجّيّة خبر الثقة ، وهكذا.
وفي هذا النوع قد يستشكل في تطبيق ما ذكرناه عليه ، وتوضيح الاستشكال : أنّ التعويل على الأمارات الظنّيّة كقول اللغوي وخبر الثقة له مقامان :
وأمّا النوع الثاني من السيرة وهو السيرة بلحاظ الأحكام الظاهريّة كحجّيّة خبر