النوع الثاني : التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه وذلك في أحوال :
إحداها : في حياته صلى الله عليه وسلم ، وهذا متواتر والأخبار طافحة به ، ولا يمكن حصرها ، وقد كان المسلمون يفزعون اليه ويستغيثون به في جميع ما نابهم كما في الصحيحين ... والإحاديث والاثار في ذلك أكثر من أن تحصى ، ولو تتبعتها لوجدت منها ألواناً.
ونص قوله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ... الآية ، صريح في ذلك.
* وكذلك يجوز ويحسن مثل هذا التوسل بمن له نسبة من النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ قحط استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وقال : اللهم إنا كنا إذا قحطنا توسلنا بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل اليك بعم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فاسقنا.
وكذلك يجوز مثل هذا التوسل بسائر الصالحين ، وهذا شيء لا ينكره مسلم بل متدين بملة من الملل.
فإن قيل : لم توسل عمر بن الخطاب بالعباس ، ولم يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بقبره ؟
قلنا : ليس في توسله بالعباس إنكار للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالقبر. وقد روي عن أبي الجوزاء قال : قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا الى عائشة رضي الله عنها فقالت : فانظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوى الى السماء ، حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف. ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمن الابل حتي تفتقت من الشحم فسمى ( عام الفتق ) ...
فإن قال المخالف : أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة ، وإنما أمنع إطلاق ( التجوه ) و( الاستغاثة ) لأن فيهما إيهام أن المتجوه به والمستغاث به أعلى من المتجوه عليه والمستغاث عليه.