انتدب في تلك الغزاة ، فيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وقتادة بن النعمان ، فتكلم قوم وقالوا : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟! فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآله غضبا شديدا ، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس! فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وايم الله إنه كان للإمارة لخليقا ، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة ، وإن (١) كان لمن أحب الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم.
ثم نزل فدخل بيته ، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول ، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلىاللهعليهوآله ويمضون إلى العسكر بالجرف ، وثقل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلىاللهعليهوآله وجعه ، فدخل أسامة من معسكره والنبي صلىاللهعليهوآله مغمى عليه ، وفي رواية : قد أصمت وهو لا يتكلم فطأطأ رأسه فقبله رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة. قال : فعرفت أنه يدعو لي ، ورجع أسامة إلى معسكره ، فأمر الناس بالرحيل ، فبينا هو يريد الركوب إذا رسول أمه ـ أم أيمن ـ قد جاءه يقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله يموت .. إلى آخر القصة.
وذكر ابن الأثير في الكامل (٢) أن في المحرم من سنة إحدى عشرة ضرب رسول الله صلىاللهعليهوآله بعثا إلى الشام وأميرهم أسامة بن زيد .. وذكر بعض ما مر ، وصرح بأنه كان منهم أبو بكر وعمر ، قال : وهما ثبتا (٣) الناس على الرضا
__________________
(١) كذا ، والظاهر : وإنه.
(٢) الكامل في التاريخ لابن الأثير ٢ ـ ٣٣٤ ـ ٣٣٦.
(٣) قال في الصحاح ١ ـ ٢٤٥ : وأثبته غيره وثبته بمعنى ، ويقال أثبته السقم : إذا لم يفارقه ، وقوله تعالى : « ليثبتوك » .. أي يجرحوك جراحة لا تقوم معها ، ونحوه في لسان العرب ٢ ـ ١٩ ـ ٢٠. وعليه فيحتمل أن يكون المعنى : أنهما يجرحان الناس ويعيبان عليهم لرضايتهم بإمارة أسامة. ويحتمل أن العبارة هكذا : ثبطا الناس عن الرضا أو تبطئا ...