إن الله تعالى قال لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ) ... (١) الآية. قالوا (٢) : فوصف الله الصدقة بأنها من شأنها أن يطهر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الناس ويزكيهم بأخذها منهم ، ثم عقب ذلك بأن فرض عليه ـ مع أخذ الزكاة منهم ـ أن يصلي عليهم صلاة تكون سكنا لهم. قالوا : وهذه صفات لا تتحقق في غيره ، لأن غيره لا يطهر الناس ولا يزكيهم بأخذ الصدقة ، ولا إذا صلى على الناس كان صلاته سكنا لهم ، فلم يجب علينا دفع الزكاة إلى غيره.
والجواب : إن كلام قاضي القضاة صريح في أن مالكا وأصحابه كفروا بالامتناع من الزكاة ، واعتقادهم إسقاط وجوبها ، ولو كان الحال كما ذكره من أنهم اعتقدوا سقوطها لشبهة ولم ينكروا وجوبها مطلقا لم يلزم كفرهم لإنكار أمر معلوم من الدين ضرورة ، وفي كلام ابن أبي الحديد (٣) اعتراف بذلك ، حيث قال : إنهم ما جحدوا وجوبها ، ولكنهم قالوا : إنه وجوب مشروط ، وليس يعلم بالضرورة انتفاء كونها مشروطة ، وإنما يعلم ذلك بنظر وتأويل.
فبطل جواب القاضي ويتوجه إيراد السيد عليه.
وقد صرح غير ابن أبي الحديد ـ من أهل الخلاف ـ بأن مالكا وأصحابه لم يكفروا بمنعهم الزكاة ، حكى شارح صحيح مسلم في المنهاج (٤) في كتاب الإيمان
__________________
(١) التوبة : ١٠٣.
(٢) لا توجد : قالوا ، في (س).
(٣) في شرحه على النهج ١٧ ـ ٢٠٨.
(٤) المنهاج ( وهو شرح صحيح مسلم للنووي ) ، ولم نجد نص العبارة ، والذي فيه ١ ـ ٢٠٢ نقلا عن الخطابي في شرح كلام أبي بكر ، قال : مما يجب تقديمه في هذا أن يعلم أن أهل الردة كانوا صنفين :صنف ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة ، وعادوا إلى الكفر ، وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله : وكفر من كفر من العرب ، وهذه الفرقة طائفتان : إحداهما : أصحاب مسيلمة من بني حنيفة وغيرهم الذين صدقوا على دعواه في النبوة .. والطائفة الأخرى : ارتدوا عن الدين ، وأنكروا الشرائع ، وتركوا الصلاة والزكاة وغيرها من أمور