قلنا : أولا : هذا خلاف ما اعترف به ابن أبي الحديد وقاضي القضاة والخطابي .. وغيرهم (١).
وثانيا : إن مالكا وأصحابه لو كانوا مشفقين من أهل الإسلام أو بقي لهم مطمع فيهم لما أعلنوا بالعداوة ، ولم يريدوا قتال المسلمين كما زعمه الجمهور ، على أنه لا نزاع في إسلامهم قبل ذلك الامتناع ، فقد كان عاملا من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على صدقات قومه ـ كما رواه أرباب السير منهم (٢) ـ ، وإذا ثبت إسلامهم وأقروا في الظاهر بسائر الضروريات لم يحكم بكفرهم بمجرد ذلك الامتناع المحتمل للأمرين ، بل لأمر ثالث : وهو أن يكون منعهم مستندا إلى الشح والبخل ، فلم يلزم كفرهم كما ادعاه قاضي القضاة وغيرهم ، ولم يجز (٣) سبي ذراريهم ونسائهم وأخذ أموالهم كما فعلوا وإن جاز قتالهم لأخذ الزكاة لو أصروا على منعها على الوجه الأخير ، بعد أن يكون المتصدي للأخذ مستحقا له.
وأما إذا استند المنع إلى الشبهة فكان الواجب على من تصدى للأخذ (٤) وأراد القتال أن يبدأ (٥) بإزالة شبهتهم ، كما صرح به فقهاؤهم في جمهور أهل البغي.
قال في شرح الوجيز في بحث البغاة من كتاب الجنايات (٦) : لا يبدءون بالقتال حتى يبدءوا وليبعث الإمام أمينا ناصحا يسألهم ما ينقمون ، فإن عللوا امتناعهم بمظلمة أزالها ، وإن ذكروا شبهة كشفها لهم ، وإن لم يذكروا شيئا نصحهم ووعظهم وأمرهم بالعود إلى الطاعة ، فإن أصروا آذنهم بالقتال .. إلى آخر ما قال.
__________________
(١) مرت المصادر قريبا ، فراجع.
(٢) كالطبري في تاريخه ٣ ـ ٢٧٧ ، وابن الأثير في كامله ٢ ـ ٣٥٨ ، وغيرهما في غيرهما.
(٣) قد تقرأ ما في (س) : ولم يخبر ، ولا معنى لها هنا.
(٤) لا توجد جملة : على من تصدى للأخذ ، في (س).
(٥) في ( ك ) : يبدءوا.
(٦) شرح الوجيز ، ولم نحصل عليه.