وقد رووا في المفتريات : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (١).
وقد كان كثير مما ذكر مما (٢) خطب به صلىاللهعليهوآلهوسلم على رءوس الأشهاد ، فهل يجوز عاقل أن لا يقرع شيء من ذلك سمع عمر ـ مع شدة ملازمته للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ومن شك في مثل ذلك هل يجوز من شم رائحة من العقل أن يفوض إليه أمر بهيمة فضلا عن أن يفوض إليه أمر جميع المسلمين ، ويرجع إليه في جميع أحكام الدين.
وأما اعتذار ابن أبي الحديد (٣) بأنه لم ينكر ذلك عمر (٤) على وجه الاعتقاد ، بل على الاستصلاح ، وللخوف من ثوران الفتنة قبل مجيء أبي بكر ، فلما جاء أبو بكر قوي به جأشه (٥) فسكت عن هذا (٦) الدعوى ، لأنه قد أمن بحضوره من خطب يحدث أو فساد يتجدد.
فيرد عليه :
أولا : أنه لو كان إنكاره ذلك إيقاعا للشبهة في قلوب الناس حتى يحضر أبو بكر لسكت عن دعواه عند حضوره.
وقد روى ابن الأثير في الكامل (٧) أن أبا بكر أمره بالسكوت فأبى ، وأقبل أبو بكر على الناس ، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر.
وثانيا : أنه لو كان الأمر كما ذكر لاقتصر على إنكار واحد بعد حضور أبي
__________________
(١) يراجع الموضوعات لابن الجوزي وغيره. وناقشه شيخنا المفيد طاب ثراه في الإفصاح المطبوع مع عدة رسائل : ١٣٨ ـ ١٤٢ ، سندا ودلالة ، ولعله أقل وأحقر من هذا الاهتمام.
(٢) لا توجد في (س) : ذكر مما.
(٣) في شرحه على نهج البلاغة ٢ ـ ٤٢ ـ ٤٣ ، وهو نقل بالمعنى.
(٤) في (س) : عمر ذلك ـ بتقديم وتأخير ـ.
(٥) قال في القاموس ٢ ـ ٢٦٤ : الجأش : رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع ، ونفس الإنسان .. وجاش إليه ـ كمنع ـ : أقبل ، ونفسه : ارتفعت من حزن أو فزع.
(٦) كذا ، والظاهر : هذه.
(٧) الكامل ٢ ـ ٣٢٤ [ ٢ ـ ٢١٩ ـ بيروت ـ ].