النهي أيضا التحريم ، قد قرن بالتحريم والنهي قوله : أعاقب عليهما ، ولا ريب في أن المعاقبة تنافي التنزيه.
الثاني : أنه لو كان نهيه عن متعة الحج للتنزيه لكان نهيه عن متعة النساء أيضا كذلك ، للتعبير عنهما بلفظ واحد ، ولم يقل أحد بأنه نهى عن متعة النساء تنزيها ، مع أنه قد مر أنه أوعد عليها بالرجم ، وقد سبق في رواية عائشة أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دخل عليها غضبان لذلك ، وكيف يغضب صلىاللهعليهوآلهوسلم لعدول الناس في عبادة ربهم إلى الأفضل أو لترددهم فيه ، بل لا يشك منصف في أن ما تضافرت به الروايات من قوله صلىاللهعليهوآله : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولو لا أن معي الهدي لأحللت .. دليل قاطع على بطلان أفضلية الإفراد كما زعموه.
وبالجملة ، القول بأن أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإحلال والعدول إلى التمتع كان أمرا بالمرجوح لبيان الجواز ، ظاهر الفساد.
الثالث : أن رواية عمران بن سوادة الليثي واضحة الدلالة على أن نهيه عنها كان على وجه التحريم ، كما لا يخفى على من تأمل فيها ، ولو كان نهيه على وجه التنزيه لقال : إني ما حرمتها عليهم ولكني أمرتهم بأفضل الأفراد ، وقد تقدم في رواية ابن حصين قوله : لم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات. قال رجل برأيه ما شاء (١).
وقال البخاري : يقال إنه عمر (٢) ، ومن تأمل في الأخبار لا يشك في أنه لم يكن الكلام في أفضلية التمتع أو الإفراد ، بل في جواز التمتع أو حرمته.
الرابع : أنه لو كان نهي عمر وعثمان عن المتعة أمرا بالأفضل فلما ذا كان أمير
__________________
(١) قد مرت الرواية بمصادرها.
(٢) وقد جاءت في بعض نسخ صحيح البخاري ، كما نص على ذلك العلامة الأميني في الغدير ٦ ـ ١٩٩ ، وحكى عن غير واحد منهم ، كما نقله الإسماعيلي عن البخاري ، ولعله حذف منه أو حرف.
وانظر : تفسير ابن كثير ١٠ ـ ٢٣٣ ، وفتح الباري لابن حجر ٤ ـ ٣٣٩ ، والإرشاد للقسطلاني ٤ ـ ١٦٩ ، وشرح مسلم للنووي ، وغيرها.