حرارة العاطفة الأبوية لتصبح بحكم العدم ، وهذا هو المتوقع من المؤمن الرسالي المثالي الذي باع نفسه وماله وأولاده وكل ما يتعلق به في هذه الحياة لله تعالى ، بأنّ له في مقابل ذلك جنةً عرضها السموات والارض أعدت للمتقين .
والسر في ذلك هو أن المؤمن الواعي الواقعي يرى بعين فطرته الصافية وبصيرته النافذة أن نفسه وماله وأولاده وكل ما هو تحت يده وتصرفه في هذه الحياة هو ملك لله تعالى المالك الحقيقي للكون كله بما فيه الإنسان ولذلك يجب عليه أن يصرفَه ويتصرف به وفق مرضاته وإذا طُلب منه تسليمه له وإعادته إليه وجبت عليه المبادرة إلى التسليم عملاً بقوله تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (١) .
وقد أدرك بعض المؤمنين هذه الحقيقة الإيمانية وتعامل مع حادثة وفاة ولده البالغ من العمر عشرين عاماً ـ على هذا الأساس وحاصل قصته أن هذا الوالد المؤمن الواعي كان مشغولاً بإلقاء محاضرة على طلابه في مدرستهم وفي الأثناء بلغه نبأ وفاة ولده هذا فقابل هذا النبأ بالصبر والتسليم وقوة الإرادة الإيمانية واستمر على إلقاء المحاضرة وبعد فراغه منها سأله أحد طلابه عن مضمون النبأ الذي بلغه أثناء المحاضرة فأخبره بكل هدوء واطمئنان وكأنه لم يحدث شيء يذكر .
وهذه ظاهرةٌ غريبة وعجيبة تلفت النظر وتثير الاستغراب والإعجاب في الوقت نفسه ، وعندما سألوه عن سبب ضبط أعصابه ومقابلته هذا النبأ
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ٥٨ .