تشريعها ـ يُدرك أن هذه الغاية أوسع من نقطة الانطلاق ومناسبة التشريع التي كانت المنطلق في البداية .
فالسعي مثلاً وإن رُبط بتلك المرأة المؤمنة الصابرة المحتسبة ـ هاجر ـ وجعل تشريعه إحياءً لذكرها وذكراها ولكن الغاية الكبرى لا تقف عند هذه النقطة بل تنطلق لتمثل كل سعي في سبيل إطاعة الله تعالى ويكون ابتداؤه من صفاء النية وسلامة القصد وانتهاؤه عند الغاية الشريفة المقصودة منه والمقربة من الله تعالى والنافعة لخلقه بما يعبر عن مروءة الساعي وشهامته .
وكذلك شعار الرمي وإن انطلق من المناسبة التاريخية المذكورة ولكن الهدف المقصود من تشريعه أكبر من حادثتها وأوسع من زمانها ومكانها وإنسانها حيث يمتد هدفه إلى ساحة الذات لتُرمى فيها النفس الأمارة بالسوء فلا تطاع بمعصية الله تعالى كما يُرمى الشيطان المعنوي بحجارة التقوى والاعتصام بحبل الله والجهاد في سبيله لتبقى كلمته هي العليا وكلمة كل شياطين الإنس والجن هي السفلى ويكون رمي الجمرات في منى وفي اليوم العاشر والحادي والثاني عشر ـ رمزاً لرمي هذه الشياطين على اختلاف أنواعها وأحجامها ـ بالموقف الحر الأبي الرافض لكل أنواع المساومة والمهادنة على حساب المبدأ الأصيل والوطن العزيز والكرامة الكريمة والعزة العزيزة .
وأما الحلق أو
التقصير اللذان يجب أحدهما على الحاج بعد قيامه بواجبي الرمي والذبح فإنه يكون رمزاً لزوال درن الذنوب ودنس الخطايا عن روحه ونفسه كما زال الشعر كله أو بعضه عن رأسه كما يكون رمزاً للنظافة المعنوية والزينة الروحية التي يُتوقع ممن توفق لتأدية فريضة الحج أن يتجمل بها ليكون وضعه في يومه وبعد تأدية فريضة الحج المقدسة ـ