والمستحبات مع سلامته من الأضرار العديدة بسبب تركه المحرمات كما هو مقتضى حكمته البالغة ورحمته الواسعة الداعية للالتزام بمنهج الحكمة في التشريع بحيث لا يصدر منه أمر إلا بما فيه مصلحة تعود على المكلف ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة تحصل له وتحطمه مادياً ومعنوياً .
وبذلك يظهر أن فائدة التقيد بمنهج العبودية لا تنحصر بيوم الجزاء بل تحصل له معجلاً في هذه الدار قبل انتقاله إلى الدار الآخرة كما يفهم من صريح قوله تعالى :
( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) (١) .
وقوله تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) (٢) .
ومن أجل توضيح هذه الحقيقة أكثر نقدم تشبيهاً لارتباط الإنسان بمنهج العبودية والخضوع الاختياري لإرادة الله سبحانه بتطبيقه شرعه العادل الكامل ـ بارتباط غيره من سائر الكائنات غير المختارة بالإرادة التكوينية للذات الإلهية المتمثل بالخضوع القسري لهذه الإرادة الحكيمة المسيرة لهذا الكون بما فيه الجانب المادي من الإنسان الخاضع لنظام الله التكويني والمسير له بمعزل عن إرادته واختياره .
فكما أن خضوع هذه الكائنات للنظام التكويني المسيطر عليها والمسير لها في إطار الحكمة والمصلحة التامة العامة يثمر الكثير والكبير من المنافع ويسلم الكون كله من الكوارث الكونية والأخطار المدمرة .
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٩٦ .
(٢) سورة الطلاق ، الآية : ١٢ .