وقد مرت الإشارة إلى أن هذه الحكمة تختلف بالوضوح والخفاء باختلاف الموارد والتشريعات فقد تكون واضحة جلية في بعضها وخفيةً في بعضها الآخر .
كما أن محل ترتبها مرة يكون عمل المكلف وامتثاله الحكم الشرعي بالفعل أو الترك كما هو الغالب في الأحكام المجعولة .
وقد يكون نفس الجعل وأصل صدور التشريع من المولى بحيث يترتب الغرض المقصود منه بمجرد صدوره عنه سبحانه وإن لم يحصل عمل وامتثال من المكلف خارجاً وذلك هو دور الأحكام الامتحانية التي صدرت من المولى بقصد امتحان المكلف وإظهار واقع إيمانه ودرجة التزامه بالوظيفة الشرعية .
وإنما عبرت بكلمة الإظهار بدل كلمة الظهور بلحاظ أن الامتحان الصادر من المولى لعبيده لا يكون بقصد ظهور حالهم له بعد خفائه عنه لما هو المعلوم بالوجدان الإيماني من كونه سبحانه عالماً بكل شيء وإنما يكون امتحانه لهم بقصد إظهار واقعهم وكشفه للآخرين وربما يكون بقصد كشفه لأنفسهم أيضاً بالنسبة إلى البعض الذين يعتقدون بإدراكهم الدرجة الرفيعة من الإيمان والالتزام في الظروف الطبيعية ويترجمون هذا بإبداء الاهتمام بالشعائر الدينية حتى إذا تغيرت الأوضاع وتبدل الرخاء بالشدة والهدوء والسلام بالحرب والآلام .
ظهروا على واقعهم وتبين أن التزامهم بخط الدين كان التزام تجارة وتعامل كسب وربح مادي دنيوي ـ بدليل تبدل موقفهم وتغير تصرفهم من الاستقامة إلى الانحراف عن منهج التقوى بالسلوك والممارسة ليكونوا بهذا وذاك مصداقاً لقوله تعالى :