أن ينتقل من ممارستها والمحافظة عليها ـ شكلاً ومضموناً ـ إلى الصلاة بمعناها الواسع الشامل المتمثل بالخضوع الكلي والاتصال الدائم بذاته تعالى فكرياً بالتفكر والتدبر فيما يرضي الله تعالى وروحياً بالتعلق والمحبة ونفسياً بالتقرب إليه بكل الممارسات المحبوبة له سبحانه مع ترك كل ما ينافي ذلك التقرب إليه ويحجب عنه وهذا معنى أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر .
وهكذا الصوم لم يوجبه الله تعالى على المكلف شهراً في السنة إلا من أجل التحول من معناه المحدود المتمثل بالإمساك عن تلك المفطرات المحدودة ضمن الأيام المعدودة ـ إلى الصوم بمعناه العام المتمثل بالإمساك التام عن كل حرام في جميع الشهور والأيام وهذا هو المقصود بالتقوى التي جعلها الله سبحانه غاية لوجوبه حيث قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) .
ونفس الشيء يقال بالنسبة إلى تشريع وجوب الزكاة والخمس ونحوهما من الفرائض المالية فالله سبحانه قد أوجب مقداراً من المال في الفريضتين المذكورتين ـ الخمس والزكاة ـ ليتعود المكلف على البذل والعطاء من كل ما يملك من الثروة المالية أو المعنوية كالعلم والجاه والمنصب كما يستفاد من قوله تعالى في أول سورة البقرة :
( الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (٢) .
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٨٣ .
(٢) سورة البقرة ، الآيات : ١ و ٢ و ٣ .