______________________________________________________
الإذن بالتحريك ، واستشهد بقول الشاعر : « إن همي في سماع وأذن » وليس الأمر على ما توهمه هذا المتوهم ، لأن الإذن هو المصدر ، والإذن هو اسم الفعل ، ويجري مجرى الحذر في أنه مصدر ، والحذر بالتسكين الاسم على أنه لو لم يكن مسموعا إلا الإذن بالتحريك لجاز التسكين ، مثل مثل ومثل وشبه وشبه ونظائر ذلك كثيرة.
ومنها : أن يكون الإذن العلم ومعناه إعلام الله المكلفين بفضل الإيمان وما يدعو إلى فعله فيكون معنى الآية : وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإعلام الله تعالى لها ما يبعثها على الإيمان ، ويدعوها إلى فعله ، فأما ظن السائل دخول الإرادة في محتمل اللفظ فباطل ، لأن الإذن لا يحتمل الإرادة في اللغة ، ولو احتملها أيضا لم يجب ما توهمه لأنه إذا قال أن الإيمان لم يقع إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع وليس في صريح الكلام ولا في دليله شيء من ذلك.
فأما قوله تعالى : « وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ » فلم يعن به الناقصي العقول ، وإنما أراد تعالى الذين لم يعقلوا ويعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة خالقهم تعالى والاعتراف بنبوة رسله عليهمالسلام والانقياد إلى طاعتهم ووصفهم بأنهم لا يعقلون تشبيها ، كما قال تعالى : « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ » (١) وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور أو لم يعلم ما هو مأمور بعلمه بالجنون وفقد العقل ، فأما الحديث الذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل فيه : إنه صلىاللهعليهوآله لم يرد بالبله ذوي الغفلة والنقص والجنون وإنما أراد البله عن الشر والقبيح ، وسماهم بلهاء عن ذلك من حيث لا يستعملونه ولا يعتادونه لا من حيث فقد العلم به ، ووجه تشبيه من هذه حاله بالأبله ظاهر.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٨.