______________________________________________________
وقال السيد المرتضى رضياللهعنه في كتاب الغرر والدرر : إن قال قائل : ما تأويل قوله تعالى : « وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ » (١) فظاهر الكلام يدل على أن الإيمان إنما كان لهم فعله بإذنه وأمره وليس هذا مذهبكم فإن حمل الإذن ههنا على الإرادة اقتضى أن من لم يقع منه الإيمان لم يرده الله تعالى منه ، وهذا أيضا بخلاف قولكم : ثم جعل الرجس الذي هو العذاب على الذين لا يعقلون ، ومن كان فاقدا عقله لا يكون مكلفا فكيف يستحق العذاب وهذا بالضد من الخبر المروي عن النبي صلىاللهعليهوآله : أنه قال : أكثر أهل الجنة البله.
يقال له : في قوله : إلا بإذن الله وجوه :
« منها » أن يكون الإذن الأمر ، ويكون معنى الكلام أن الإيمان لا يقع من أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه ويأمر به ، ولا يكون معناه ما ظنه السائل من أنه لا يكون للفاعل فعله إلا بإذنه ، ويجري هذا مجرى قوله تعالى : « وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » (٢) ومعلوم أن معنى قوله ليس لها في هذه الآية هو ما ذكرناه وإن كان الأشبه في الآية التي فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالإذن العلم.
ومنها : أن يكون هو التوفيق والتيسير والتسهيل ، ولا شبهة في أن الله تعالى يوفق لفعل الإيمان ويلطف فيه ويسهل السبيل إليه.
ومنها : أن يكون الإذن العلم من قولهم أذنت لكذا وكذا إذا سمعته وعلمته ، وآذنت فلانا بكذا وكذا إذا أعلمته ، فتكون فائدة الآية الأخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات ، وأنه ممن لا تخفى عليه الخفيات ، وقد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون الإذن بكسر الألف وتسكين الذال عبارة عن العلم ، وزعم أن الذي هو العلم
__________________
(١) سورة يونس : ١٠٠.
(٢) سورة آل عمران : ١٤٥.