______________________________________________________
والبيان كقوله تعالى : « إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ » (١) أي بينا وأخبرنا بذلك.
إذا ظهر هذا فنقول للأشعري : ما تعني بقولك أنه تعالى قضى أعمال العباد وقدرها؟ إن أردت به الخلق والإيجاد فقد بينا بطلانه ، وأن الأفعال مستندة إلينا وإن عنى به الإلزام لم يصح إلا في الواجب خاصة ، وإن عنى به أنه تعالى بينها وكتبها وعلم أنهم سيفعلونها فهو صحيح لأنه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته ، وهذا المعنى الأخير هو المتعين للإجماع على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ، ولا يجوز الرضا بالكفر وغيره من القبائح ولا ينفعهم الاعتذار بوجوب الرضا به من حيث إنه فعله ، وعدم الرضا به من حيث الكسب ، لبطلان الكسب أولا ، وثانيا نقول : إن كان الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب وهو خلاف قولكم ، وإن لم يكن بقضاء وقدر بطل إسناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر « انتهى ».
وقال شارح المواقف : اعلم أن قضاء الله عند الأشاعرة هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال ، وقدره إيجاده إياها على وجه مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها ، وأما عند الفلاسفة فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام ، وهو المسمى عندهم بالعناية التي هي مبدء لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها ، والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العيني بأسبابها على الوجه الذي تقرر في القضاء ، والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر في الأفعال الاختيارية الصادرة عن العباد ، ويثبتون علمه تعالى بهذه الأفعال ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم بل إلى اختيار العباد وقدرتهم « انتهى ».
__________________
(١) سورة النمل : ٥٧.