آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله.
______________________________________________________
والحق أن تأثير جميع المؤثرات مشروطة بذلك كإحراق النار فإنه مشروط بعدم تعلق إرادته سبحانه بعدمه ، فإذا تعلقت لم تؤثر كما لم تحرق إبراهيم عليهالسلام ، وتأثير السيف في قطع اللحم وشبهه مشروط بذلك ، فكما أن الإحراق والقطع مشروطان بشرائط كثيرة من قابلية المادة ومجاورة المؤثر وغيرهما فكذا مشروطان بعدم تعلق الإرادة الحتمية من ذي القدرة القاهرة والقوة الغالبة بخلافهما ، ولا يتأتى التصديق بمعجزات الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم إلا بذلك ، وبه يستقيم مدخلية إرادة الله سبحانه في أعمال العباد مع اختيارهم ، وهو المراد بالتخلية.
أقول : وروى الشيخ أحمد الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن علي بن محمد العسكري عليهالسلام أن أبا الحسن موسى عليهالسلام قال : إن الله خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه ، فأمرهم ونهاهم ، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به ، وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه ، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بإذنه ، وما جبر الله أحدا على معصيته ، بل اختبرهم كما قال : « لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » (١).
قوله عليهالسلام : ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بإذنه ، أي بتخليته وعلمه « انتهى » والظاهر أن التفسير من المؤلف (ره).
أقول : ويومي إلى ما ذكرنا ما ذكره الشيخ السعيد المفيد في كتاب المقالات حيث قال : إن الإرادة التي هي قصد الإيجاد أحد الضدين الخاطرين ببال المريد موجبة لمرادها ، وأنه محال وجودها وارتفاع المراد بعدها بلا فصل ، إلا أن يمنع من ذلك من فعل غير المريد ، وهذا مذهب جعفر بن حرب وجماعة من متكلمي البغداديين وهو مذهب البلخي ، وعلى خلافه مذهب الجبائي وابنه والبصريين من المعتزلة والحشوية وأهل الأخبار.
__________________
(١) سورة الملك : ٢.