______________________________________________________
وقد صنع أكثرهم في ذلك رسائل مفردة ، والذي يتحصل من مذاهبهم أن أفعال العباد دائرة بحسب الاحتمال العقلي بين أمور :
الأول : أن يكون حصولها بقدرة الله وإرادته من غير مدخل لقدرة العبد فيه وإرادته.
الثاني : أن يكون بقدرة العبد وإرادته من غير مدخل لقدرة الله تعالى وإرادته فيه ، أي بلا واسطة ، إذ لا ينكر عاقل أن الأقدار والتمكين مستندان إليه تعالى ، إما ابتداء أو بواسطة.
الثالث : أن يكون حصولها بمجموع القدرتين ، وذلك بأن يكون المؤثر قدرة الله بواسطة قدرة العبد أو بالعكس ، أو يكون المؤثر مجموعها من غير تخصيص إحداهما بالمؤثرية ، والأخرى بالآلية ، وذهب إلى كل من تلك الاحتمالات ما خلا الاحتمال الثاني من محتملات الشق الثالث طائفة.
أما الأول ففيه قولان : « الأول » مذهب الجبرية البحتة وهم جهم بن صفوان وأتباعه ، حيث ذهبوا إلى أن الفعل من الله سبحانه بلا تأثير لإرادة العبد وقدرته فيه ولا كسب ، بل لا فرق عندهم بين مشي زيد وحركة المرتعش ، ولا بين الصاعد إلى السطح والساقط منه ، « والثاني » مذهب أبي الحسن الأشعري وأتباعه فإنهم لما رأوا شناعة قول الجهمية فروا منه بما لا ينفعهم وقالوا : أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله وحده ، وليس لقدرتهم تأثير فيها ، بل الله سبحانه أجرى عادته بأنه يوجد في العبد قدرة واختيارا ، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ، فيكون فعل العبد مخلوقا لله إبداعا وإحداثا ومكسوبا للعبد ، والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلا له ، وقالوا : نسبة الفعل إلى العبد باعتبار قيامه به لا باعتبار إيجاده له ،