______________________________________________________
وإن كانت قوية ، وكثير من أحوال الإنسان وأموره إذا أمعن النظر فيها يصل إلى حد يتحير العقل فيها ، كحقيقة النفس وكيفية الإبصار مع كونهما أقرب الأشياء إليه ، لا يمكنه الوصول إلى حقيقة ذلك ، وينتهي التفكر فيها إلى حد التحير وليس ذلك سببا لأن ينفي وجودهما وتحققهما فيه ، ولا نطيل الكلام بإيراد الدلائل ودفع الشبهات ، فإن هذا الكتاب ليس محل إيرادها ، وإنما نومئ إلى بعض مسائل الكلامية إجمالا لتوقف فهم الأخبار التي نحن بصدد شرحها عليه.
ثم اعلم أن الحق أن المعتزلة أيضا خرجوا من الحق للإفراط من الجانب الآخر ، فإنهم يذهبون إلى أنه تعالى لا مدخلية له في أعمال العباد أصلا ، سوى خلق الآلات والتمكين والأقدار حتى أن بعض المعتزلة قالوا : إن الله لا يقدر على عين مقدور العبد ، وبعضهم قالوا : لا يقدر على مثله أيضا ، فهم عزلوا الله عن سلطانه ، وكأنهم أخرجوا الله من ملكه وأشركوا من حيث لا يعلمون ، والأخبار الواردة ينفي مذهب هؤلاء وذمهم أكثر من الأخبار الدالة على ذم الجبرية ونفي مذهبهم ، وفي أكثر الأخبار أطلقت القدرية عليهم كما عرفت ، وأطلقوا عليهم المفوضة ، فهم عليهالسلام نفوا وأبطلوا الجبر والتفويض معا ، وأثبتوا الأمر بين الأمرين وهو أمر غامض دقيق.
وللناس في تحقيق ذلك مسالك :
الأول : ما ذكره الشيخ الأجل المفيد طيب الله رمسه حيث قال في تحقيق الأمر بين الأمرين : الجبر هو الحمل على الفعل والاضطرار إليه بالقسر والغلبة ، وحقيقة ذلك إيجاد الفعل في الخلق من غير أن تكون له قدرة على دفعه ، والامتناع من وجوده فيه ، وقد يعبر عما يفعله الإنسان بالقدرة التي معه على وجه الإكراه له على التخويف والإلجاء أنه جبر ، والأصل فيه ما فعل من غير قدرة على امتناعه منه حسبما قدمناه ، وإذا تحقق القول في الجبر على ما وصفناه ، كان مذهب أصحاب المخلوق هو بعينه لأنهم يزعمون الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون