______________________________________________________
ولما كان مع ذلك الإعلام من الأمر والنهي بوساطة الحجج البينة اللطف والتوفيق في الخيرات والطاعات من الله جل ذكره ، فما فعل الإنسان من حسنة فالأولى أن يسند وينسب إليه تعالى ، لأن مع أقداره وتمكينه له وتوفيقه للحسنات أعلمه بمصالح الإتيان بالحسنات ، ومضار تركها والكف عنها بأوامره ، وما فعله من سيئة فمن نفسه ، لأنه مع ذلك أعلمه بمفاسد الإتيان بالسيئات ومنافع الكف عنها بنواهيه وهذا من قبيل إطاعة الطبيب ومخالفته ، فإنه من أطاعه وبريء من المرض يقال له : عالجه الطبيب وصيره صحيحا ، ومن خالفه وهلك يقال له : أهلك نفسه بمخالفته للطبيب ، فظهر إسناد الحسنات إلى الله تعالى وإسناد السيئات إلى العبد ، فهذا معنى الأمر بين الأمرين وينطبق عليه الآيات والأخبار من غير تكلف « انتهى » وهذا المحقق وإن بالغ في التدقيق والتوفيق بين الأدلة لكن يشكل القول بتأثيره سبحانه في القبائح والمعاصي مع مفاسد أخر ترد عليه ، ذكرها يفضي إلى الإطناب.
الثالث : ما ذكره أيضا أكثر السالكين مسلك الفلاسفة ونسب إلى المحقق الطوسي أيضا حيث قالوا : قد ثبت أن ما يوجد في هذا العالم فقد قدر بهيئته وزمانه في عالم آخر فوق هذا العالم قبل وجوده ، وقد ثبت أن الله تعالى قادر على جميع الممكنات ولم يخرج شيء من الأشياء عن مصلحته وعلمه وقدرته وإيجاده بواسطة أو بغير واسطة وإلا لم يصلح لمبدئية الكل ، فالهداية والضلال والإيمان والكفر والخير والشر والنفع والضرر وسائر المتقابلات كلها منتهية إلى قدرته وتأثيره وعلمه وإرادته ومشيته بالذات أو بالعرض ، وأفعالنا كسائر الموجودات وأفاعيلها بقضائه وقدره وهي واجبة الصدور بذلك منا ، ولكن بتوسط أسباب وعلل من إدراكنا وإرادتنا وحركاتنا وسكناتنا وغير ذلك من الأسباب العالية الغائبة عن علمنا ، وتدبيرنا الخارجة عن قدرتنا وتأثيرنا ، فاجتماع تلك الأمور التي هي الأسباب والشرائط مع ارتفاع الموانع علة تامة يجب عندها وجود ذلك الأمر المدبر والمقضي المقدر ، وعند تخلف شيء