______________________________________________________
منها أو حصول مانع بقي وجوده في حيز الامتناع ، ويكون ممكنا وقوعيا بالقياس إلى كل واحد من الأسباب الكونية.
ولما كان من جملة الأسباب وخصوصا القريبة منها إرادتنا وتفكرنا وتخيلنا وبالجملة ما نختار به أحد طرفي الفعل والترك فالفعل اختياري لنا فإن الله أعطانا القوة والقدرة والاستطاعة ليبلونا أينا أحسن عملا ، مع إحاطة علمه ، فوجوبه لا ينافي إمكانه واضطراريته لا تدافع كونه اختياريا كيف وأنه ما وجب إلا باختياره ولا شك أن القدرة والاختيار كسائر الأسباب من الإدراك والعلم والإرادة والتفكر والتخيل وقواها وآلاتها كلها بفعل الله تعالى لا بفعلنا واختيارنا ، وإلا لتسلسلت القدر والإرادات إلى غير النهاية ، وذلك لأنا وإن كنا بحيث إن شئنا فعلنا ، وإن لم نشأ لم نفعل ، لكنا لسنا بحيث إن شئنا شئنا ، وإن لم نشأ لم نشأ ، بل إذا شئنا فلم تتعلق مشيتنا بمشيتنا بل بغير مشيتنا فليست المشية إلينا ، إذ لو كانت إلينا أإلى مشية أخرى سابقه ، وتسلسل الأمر إلى غير النهاية ، ومع قطع النظر عن استحالة التسلسل نقول : مشياتنا الغير المتناهية بحيث لا تشذ عنها مشية لا يخلو إما أن يكون وقوعها بسبب أمر خارج عن مشيتنا أو بسبب مشيتنا ، والثاني باطل لعدم إمكان مشية أخرى خارجة عن تلك الجملة ، والأول هو المطلوب ، فقد ظهر أن مشيتنا ليست تحت قدرتنا كما قال الله عز وجل : « وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ » (١) فإذن نحن في مشيتنا مضطرون وإنما تحدث المشية عقيب الداعي ، وهو تصور الشيء الملائم تصورا ظنيا أو تخيليا أو علميا ، فإذا أدركنا شيئا فإن وجدنا ملائمته أو منافرته لنا دفعة بالوهم أو ببديهة العقل انبعث منا شوق إلى جذبه أو دفعه ، وتأكد هذا الشوق هو العزم الجازم المسمى بالإرادة ، وإذا انضمت إلى القدرة التي هي هيئة للقوة الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك الأعضاء الأدوية من العضلات وغيرها ،
__________________
(١) سورة الإنسان : ٣٠.