______________________________________________________
يقول عاقل أنه جبره على الفعل ، وأما فعل ذلك بالنسبة إلى قوم وتركه بالنسبة إلى آخرين فيرجع إلى حسن اختيارهم وصفاء طويتهم أو سوء اختيارهم وقبح سريرتهم أو إلى شيء لا يصل إليه علمنا ، فالقول بهذا لا يوجب نسبة الظلم إليه سبحانه ، بأن يقال : جبرهم على المعاصي ثم عذبهم عليها ، كما يلزم الأولين ، ولا عزله تعالى من ملكه واستقلال العباد ، بحيث لا مدخل لله في أفعالهم ، فيكونون شركاء لله في تدبير عالم الوجود كما يلزم الآخرين.
ويدل على هذا الوجه أخبار كثيرة كالخبر الأول لا سيما مع التتمة التي في الاحتجاج ، والخبر الثامن والثالث عشر من هذا الباب ، بل أكثر أبواب (١) هذا الباب ، والأبواب السابقة واللاحقة ، وبه يمكن رفع التنافي بينها كما أومأنا إليه في بعضها ، وقد روي في الاحتجاج وتحف العقول فيما أجاب به أبو الحسن العسكري عليهالسلام في رسالته إلى أهل الأهواز حيث قال عليهالسلام : قال الصادق عليهالسلام : لا جبر ولا تفويض ، أمر بين أمرين ، قيل : فما ذا يا بن رسول الله؟ قال : صحة العقل وتخلية السرب ، والمهلة في الوقت ، والزاد قبل الراحلة ، والسبب المهيج للفاعل على فعله ، فهذه خمسة أشياء ، فإذا نقض العبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا بحسبه وأنا أضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة وهي الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث من شرحه ، ويشهد به القرآن بمحكم آياته وتحقيق تصديقه عند ذوي الألباب وبالله العصمة والتوفيق.
ثم قال عليهالسلام : فأما الجبر فهو قول من زعم أن الله عز وجل جبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله وكذبه ورد عليه قوله : « وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً » (٢) وقوله جل ذكره : « ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » (٣) مع آي كثيرة في مثل هذا ، فمن زعم أنه مجبور على المعاصي فقد
__________________
(١) والظاهر « الأخبار » بدل الأبواب.
(٢) سورة الكهف : ٤٩.
(٣) سورة الحج : ١٠.