______________________________________________________
زعم أن الله عز وجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهمالسلام فقد قال بالتفويض ، فالقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك ، فقلت له : يا بن رسول الله ، فما أمر بين أمرين؟ فقال : وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به ، وترك ما نهوا عنه ، فقلت له : فهل لله عز وجل مشية وإرادة في ذلك؟ فقال : أما الطاعات فإرادة الله ومشيته فيها الأمر بها والرضا لها ، والمعاونة عليها ، وإرادته ومشيته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها ، قلت : فلله عز وجل فيها القضاء؟ قال : نعم ، ما من فعل يفعله العباد من خير وشر إلا ولله فيه قضاء ، قلت : فما معنى هذا القضاء؟ قال : الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة.
التاسع : ما ظهر لنا من الأخبار المعتبرة المأثورة عن الصادقين عليهمالسلام ، وهو أن الجبر المنفي قول الأشاعرة والجبرية كما عرفت ، والتفويض المنفي هو قول المعتزلة إنه تعالى أوجد العباد وأقدرهم على أعمالهم وفوض إليهم الاختيار ، فهم مستقلون بإيجادها على وفق مشيتهم وقدرتهم ، وليس لله سبحانه في أعمالهم صنع.
وأما الأمر بين الأمرين فهو أن لهداياته وتوفيقاته تعالى مدخلا في أفعالهم بحيث لا يصل إلى حد الإلجاء والاضطرار ، كما أن لخذلانه سبحانه مدخلا في فعل المعاصي وترك الطاعات ، لكن لا بحيث ينتهي إلى حد لا يقدر معه على الفعل أو الترك ، وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه في أحواله المختلفة ، وهو مثل أن يأمر السيد عبده بشيء يقدر على فعله وفهمه ذلك ، ووعده على فعله شيئا من الثواب وعلى تركه قدرا من العقاب ، فلو اكتفى من تكليف عبده بذلك ولم يزد عليه مع علمه بأنه لا يفعل الفعل بمحض ذلك ، لم يكن لوما عند العقلاء لو عاقبه على تركه ، ولا ينسب عندهم إلى الظلم ، ولا يقول عاقل أنه أجبره على ترك الفعل ، ولو لم يكتف السيد بذلك وزاد في ألطافه والوعد بإكرامه والوعيد على تركه ، وأكد ذلك ببعث من يحثه على الفعل ويرغبه فيه ويحذره على الترك ، ثم فعل ذلك الفعل بقدرته واختياره فلا