______________________________________________________
إنما نعرفه بما عرفنا الله على لسان أنبيائه وحججه صلوات الله عليهم ، أو يقال : المراد بها معرفة الأحكام الفرعية لعدم استقلال العقل فيها ، أو المعنى أنها إنما تحصل بتوفيقه تعالى للاكتساب ، وذهب الحكماء إلى أن العلة الفاعلية للمعرفة تصوريا كان أو تصديقيا ، بديهيا كان أو نظريا ، شرعيا كان أو نظريا ، شرعيا كان أو غيره ، إنما يفيض من الله تعالى في الذهن بعد حصول استعداد له بسبب الإحساس أو التجربة أو النظر والفكر والاستماع من المعلم أو غير ذلك ، فهذه الأمور معدات والعبد كاسب للمعرفة لا موجد لها ، والظاهر من أكثر الأخبار أن العباد إنما كلفوا بالانقياد للحق وترك الاستكبار عن قبوله ، فأما المعارف فإنها بأسرها مما يلقيه الله سبحانه في قلوب عباده بعد اختيارهم للحق ، ثم يكمل ذلك يوما فيوما بقدر أعمالهم وطاعاتهم حتى يوصلهم إلى درجة اليقين ، وحسبك في ذلك ما وصل إليك من سيرة النبيين وأئمة الدين في تكميل أممهم وأصحابهم فإنهم لم يحيلوهم على الاكتساب والنظر ، وتتبع كتب الفلاسفة وغيرهم ، بل إنما دعوهم أولا إلى الإقرار بالتوحيد وسائر العقائد ، ثم إلى تكميل النفس بالطاعات والرياضات ، حتى فازوا بما سعدوا به من أعالي درجات السعادات.
قال الفاضل المحدث أمين الدين الأسترآبادي في الفوائد المدنية : قد تواترت الأخبار عن أهل بيت النبوة متصلة إلى النبي صلىاللهعليهوآله بأن معرفة الله بعنوان أنه الخالق للعالم ، وأن له رضا وسخطا ، وأنه لا بد من معلم من جهته تعالى ليعلم الخلق ما يرضيه وما يسخطه من الأمور الفطرية التي وقعت في القلوب بإلهام فطري إلهي ، وذلك كما قالت الحكماء : الطفل يتعلق بثدي أمه بإلهام فطري الهي ، وتوضيح ذلك أنه تعالى ألهمهم بتلك القضايا ، أي خلقها في قلوبهم وألهمهم بدلالات واضحة على تلك القضايا ، ثم أرسل إليهم الرسول وأنزل عليهم الكتاب ، فأمر فيه ونهى فيه ، وبالجملة لم يتعلق وجوب ولا غيره من التكليفات إلا بعد بلوغ خطاب الشارع ، ومعرفة الله قد حصلت لهم قبل بلوغ الخطاب بطريق إلهام بمراتب ، وكل من بلغته