يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه وقال « فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها » (١) قال بين لها ما تأتي وما تترك وقال « إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً » (٢) قال عرفناه إما آخذ وإما تارك وعن قوله « وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى » (٣) قال عرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم يعرفون وفي رواية بينا لهم.
______________________________________________________
من كل شر فما بعد « حتى » داخل فيما قبلها ، ويحتمل أن يكون بمعنى إراءة الطريق فمعناه أنه تعالى لا يخذل قوما أو لا يحكم بضلالتهم بعد إذ هداهم إلى الإيمان إلا بعد أن يعلمهم ما يرضيه وما يسخطه فما بعد « حتى » خارج عن حكم ما قبلها « انتهى ».
وفيه دلالة على أن التعريف من الله فيما يرضيه وفيما يسخطه من الشرائع والواجبات والسنن والأحكام ، لكن لا ينافي ما مر ، وقوله : وقال فألهمها ، من كلام ثعلبة وضميره راجع إلى حمزة ، أي وسأله عن قوله تعالى : « فَأَلْهَمَها » والضمير راجع إلى النفس ، والمراد : بفجورها وتقويها ، ما فيه فجورها وما فيه تقويها ، وقوله عليهالسلام : بين لها ما تأتي وما تترك ، أي المراد بالإلهام هو بيان أن الله تعالى وإعلامه بما ينبغي للنفس أن تأتي به مما ينفع لها بالأمر ، وبما ينبغي لها أن تتركه مما يضرها بالنهي فالنشر على خلاف ترتيب اللف ، قال البيضاوي : إلهام الفجور والتقوى إفهامهما ، وتعريف حالهما ، والتمكين من الإتيان بهما « إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ » أي سبيل الخيرات والطاعات « إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ».
قال البيضاوي : هما حالان من الهاء ، وإما للتفصيل أو التقسيم أي هديناه في حالتيه جميعا أو مقسوما إليهما بعضهم شاكر بالاهتداء والأخذ فيه ، وبعضهم كفور بالإعراض عنه ، أو من السبيل ووصفه بالشكر والكفر مجاز « قال : عرفناه » بالتشديد أي السبيل « إما آخذ » تفسير للشاكر « وإما تارك » تفسير للكفور ، وهذا شامل لجميع الواجبات الأصولية والفروعية ، وكذا قوله : « وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ » شامل لهما ، والهداية هنا بمعنى إراءة الطريق ، وفي رواية : بينا لهم ، أي مكان عرفناهم.
__________________
(١) سورة الشمس : ٨.
(٢) سورة الإنسان : ٣.
(٣) سورة فصلت : ١٧.