______________________________________________________
النظر في معرفة الله تعالى ، بل إجماع الأمة عليه ، وإنما اختلفوا في أن وجوبها عقلي أو شرعي ونسب إلى البراهمة أنها تحصل بالإلهام ، وإلى الملاحدة أنها تحصل بالتعليم ، وإلى المتصوفة أنها تحصل بتصفية الباطن والرياضات ، وربما يقال : إن النظر في معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله والعقائد الدينية على ما تفعله المتكلمون بدعة في الدين ، لم ينقل عن النبي صلىاللهعليهوآله والصحابة والخلفاء الراشدين ، ولو كانوا قد اشتغلوا بها لنقل إلينا لتوفر الدواعي على نقله كما نقل اشتغالهم بالمسائل الفقهية على اختلاف أصنافها ، وأجيب بمنع عدم النقل بل تواتر أنهم كانوا يبحثون عن دلائل التوحيد وما يتعلق به ، والقرآن مملوء منه ، وهل ما يذكر في كتب الكلام إلا قطرة من بحر مما نطق به الكتاب الكريم؟ نعم أنهم لم يدونوها ولم يشتغلوا بتقرير المذاهب وتحرير الاصطلاحات ، ولم يبالغوا في تفصيل الأسئلة وتلخيص الجوابات لاختصاصهم بصفاء النفوس وقوة الأذهان ، ومشاهدة الوحي المقتضية لفيضان أنوار العرفان ، والتمكن من مراجعة من يفيدهم ويدفع عنهم ما عسى أن يعرض لهم من الشكوك والشبهات في كل حين ، مع قلة عناد المعاندين وندرة تشكيك المشككين ، بخلاف زمان من بعدهم إلى زماننا هذا ، حيث كثرت المذاهب والمقالات ، وشاعت المنازعات والمجادلات ، فاجتمع بالتدريج لأهل الأعصار التالية جميع ما حدث في الأزمان والقرون الخالية ، فاحتيج إلى تدوين مسائل الكلام وتقرير كل ما أورد على كل حجة من النقض والإبرام.
قالوا : فإن ادعى أن هذا التدوين بدعة فرب بدعة حسنة ، وذلك بعينه كالاشتغال بتدوين الفقه وأصوله ، وترتيب أبوابه وفصوله ، فإنه حدث بعد ما لم يكن فكما ليس ذلك بقادح في الفقه ليس هذا بضائر للكلام ، وقد أمر الله سبحانه بالنظر في آيات كثيرة كقوله تعالى : « قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » (١) وقوله تعالى : « فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها » (٢) فأمر بالنظر وهو
__________________
(١) سورة يونس : ١٠١.
(٢) سورة الروم : ٥٠.