______________________________________________________
للوجوب ، ولما نزل : « إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ » (١) قال النبي صلىاللهعليهوآله : ويل لمن لاكها بين لحيتيه ولم يتفكر فيها ، فقد أوعد بترك التفكر في دلائل المعرفة ، فيكون واجبا ، إذ لا وعيد على ترك غير الواجب.
أقول : قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب المقالات : المعرفة بالله تعالى اكتساب وكذلك المعرفة بأنبيائه عليهمالسلام وكل غائب ، وإنه لا يجوز الاضطرار إلى معرفة شيء مما ذكرناه وهو مذهب كثير من الإمامية والبغداديين من المعتزلة خاصة ، ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والمجبرة والحشوية من أصحاب الحديث ، وقال في موضع آخر منه : العلم بالله عز وجل وأنبيائه عليهمالسلام وبصحة دينه الذي ارتضاه وكل شيء لا تدرك حقيقته بالحواس ، ولا تكون المعرفة به قائمة في البداهة وإنما يحصل بضرب من القياس لا يصح أن يكون من جهة الاضطرار ، ولا يحصل على الأحوال كلها إلا من جهة الاكتساب ، كما لا يصح وقوع العلم بما طريقه الحواس من جهة القياس ، ولا يحصل العلم في حال من الأحوال بما في البداهة.
ثم قال رحمهالله : العلم بصحة جميع الأخبار طريقه الاستدلال وهو حاصل من جهة الاكتساب ، ولا يصح وقوع شيء منه بالاضطرار ، والقول فيه كالقول في جملة الغائبات ، وإلى هذا القول ذهب جمهور البغداديين ويخالف فيه البصريون والمشبهة وأهل الأخبار ، وأما العلم بالحواس فهو على ثلاثة أضرب ، فضرب هو من فعل الله تعالى ، وضرب من فعل الحاس ، وضرب من فعل غيره من العباد ، فأما فعل الله تعالى فهو ما حصل للعالم به عن سبب من الله ، كعلمه بصوت الرعد ولون البرق ووجود الحر والبرد وأصوات الرياح وما أشبه ذلك مما يبده ذو الحاسة من غير أن يتعمد لإحساسه ، ويكون بسبب من الله سبحانه ، ليس للعباد فيه اختيار ، فأما فعل الحاس فهو ما حصل له عقيب فتح بصره أو الإصغاء بإذنه أو التعمد لإحساسه بشيء من حواسه
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٩٠.