______________________________________________________
أو يفعله السبب الموجب لإحساس المحسوس ، وحصول العلم به ، وأما فعل غير الحاس من العباد فهو ما حصل للحاس بسبب من بعض العباد كالصائح بغيره وهو غير متعمد لسماعة أو المولم له فلا يمتنع من العلم بالألم عند إيلامه وما أشبه ذلك ، وهذا مذهب جمهور المتكلمين من أهل بغداد ومخالف فيه من سميناه « انتهى ».
وأقول : الغرض من إيراد هذه الوجوه أن تطلع على مذاهب القوم في ذلك ، وإن كان للنظر فيها مجال واسع ، ولنتكلم على الخبر فنقول : قد عرفت الوجوه التي يمكن حمل أمثال هذا الخبر عليه ، ولنعد بعضها :
الأول : أنه يصح على القول بأن جميع العلوم والمعارف فائضة من قبل الله سبحانه بحسب استعدادات العباد وقابلياتهم إما بلا واسطة أو بتوسط الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام ، وإنما الواجب على الخلق أن يخلو أنفسهم عن الأغراض الدنية والحمية والعصبية ، ويصيروا طالبين للحق ثم بعد إفاضة الحق عليهم أن يقروا بها ظاهرا ولا ينكروا ولا يكونوا كالذين قال الله سبحانه فيهم : « جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ » (١).
قال المحقق الطوسي روح الله روحه القدوسي : ولا بد فيه أي في العلم من الاستعداد ، أما الضروري فبالحواس ، وأما الكسبي فبالأول ، وقال العلامة رفع الله مقامه في شرحه : قد بينا أن العلم أما ضروري وإما كسبي ، وكلاهما حصل بعد عدمه ، إذ الفطرة البشرية خلقت أولا عارية عن العلوم ، ثم يحصل لها العلم بقسميه فلا بد من استعداد سابق مغاير للنفس ، وفاعل للعلم ، فالضروري فاعله هو الله تعالى إذ القابل لا يخرج المقبول من القوة إلى الفعل بذاته ، وإلا لم ينفك عنه ، وللقبول درجات مختلفة في القرب والبعد ، وإنما يستعد النفس للقبول على التدريج فينتقل من أقصى مراتب البعد إلى أدناها قليلا قليلا لأجل المعدات التي هي الإحساس بالحواس على اختلافها ، والتمرن عليها وتكرارها مرة بعد أخرى ، فيتم الاستعداد
__________________
(١) سورة النمل : ١٤.