______________________________________________________
لإفاضة العلوم البديهية الكلية من التصورات والتصديقات بين كليات تلك المحسوسات وأما النظرية فإنها مستفادة من النفس أو من الله تعالى على اختلاف الآراء ، لكن بواسطة الاستعداد بالعلوم البديهية ، أما في التصورات فبالحد والرسم ، وأما في التصديقات فبالقياسات المستندة إلى المقدمات الضرورية « انتهى ».
وظاهر كلام المصنف أن الإفاضة من المبدأ الفياض ، وليس من فعل النفس بالتوليد كما ذهب إليه المعتزلة.
وقال صاحب الفوائد المدنية رحمهالله : هنا إشكال كان لا يزال يخطر ببالي من أوائل سني ، وهو أنه كيف تقول بأن التصديقات فائضة من الله تعالى على النفوس الناطقة ، ومنها كاذبة ومنها كفرية ، هذا إنما يتجه على رأي جمهور الأشاعرة القائلين بجواز العكس بأن يجعل الله كل ما حرمه واجبا وبالعكس ، المنكرين للحسن والقبح الذاتيين ، لا على رأي محققيهم ، ولا على رأي المعتزلة ، ولا على رأي أصحابنا؟ والجواب أن التصديقات الصادقة فائضة على القلوب بلا واسطة أو بواسطة ملك ، وهي تكون جزما أو ظنا ، والتصديقات الكاذبة تقع في القلوب بإلهام الشيطان ، وهي لا تتعدى الظن ولا تبلغ إلى حد الجزم ، وفي الأحاديث تصريحات بأن من جملة نعماء الله تعالى على بعض عبادة أنه يسلط ملكا يسدده ويلهمه الحق ، ومن جملة غضب الله على بعض أنه يخلى بينه وبين الشيطان ليضله عن الحق ويلهمه الباطل ، وبأن الله تعالى يحول بين المرء وبين أن يجزم جزما باطلا « انتهى ».
وعلى ما ذكره يكون المراد بالمعرفة العلم اليقيني المطابق ، والجهل يشمل البسيط والمركب ، ونسبته إليه سبحانه من جهة التخلية ، ولا يرد على شيء من تلك الوجوه عدم معاقبة الكفار والمخالفين على عقائدهم الباطلة ، لأنهم إما موقنون في أنفسهم منكرون ظاهرا فيعاقبون على الإنكار أو غير موقنين لتقصيرهم في المبادئ ، فلذا يعاقبون.