______________________________________________________
ويؤيده ما رواه الصدوق في التوحيد عن عبد الرحيم القصير قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليهالسلام اختلف الناس جعلت فداك بالعراق في المعرفة والجحود ، فأخبرني جعلت فداك أهما مخلوقان؟ فكتب عليهالسلام : اعلم رحمك الله أن المعرفة من صنع الله عز وجل في القلب مخلوقة ، والجحود صنع الله في القلب مخلوق ، وليس للعباد فيهما من صنع ، فلهم فيهما الاختيار من الاكتساب ، فبشهوتهم الإيمان اختاروا المعرفة ، فكانوا بذلك مؤمنين عارفين ، وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا ، وذلك بتوفيق الله لهم وخذلان من خذله الله ، فبالاختيار والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم ، إلى آخر الخبر.
إذ ظاهره أن المفيض للمعارف هو الرب تعالى ، وللنظر والتفكر والطلب مدخل فيها ، وإنما يثابون ويعاقبون بفعل تلك المبادئ وتركها ، ويحتمل أن يكون المعنى أن المعرفة ليست إلا من قبله تعالى ، إما بإلقائها في قلوبهم أو ببيان الأنبياء والحجج عليهمالسلام ، وإنما كلف العباد بقبول ذلك وإقرارهم به ظاهرا وتخلية النفس قبل ذلك لطلب الحق عن العصبية والعناد ، وعما يوجب الحرمان عن الحق من تقليد أهل الفساد ، فهذا هو المراد بالاختيار من الاكتساب ، ثم بين عليهالسلام أن لتوفيق الله وخذلانه أيضا مدخلا في ذلك الاكتساب أيضا كما مر تحقيقه.
الثاني : أن يخص بمعرفة الخالق والإقرار بوجوده سبحانه ، فإنها فطرية كما عرفت ، وروي في قرب الإسناد من معاوية بن حكيم عن البزنطي قال : قلت للرضا عليهالسلام : للناس في المعرفة صنع؟ قال : لا ، قلت : لهم عليها ثواب؟ قال : يتطول عليهم بالثواب كما يتطول عليهم بالمعرفة ، وروي في المحاسن بسند صحيح عن صفوان قال : قلت للعبد الصالح : هل في الناس استطاعة يتعاطون بها المعرفة؟ قال : لا ، إنما هو تطول من الله ، قلت : أفلهم على المعرفة ثواب إذا كان ليس لهم فيها ما يتعاطونه بمنزلة الركوع والسجود الذي أمروا به ففعلوه؟ قال : لا إنما هو تطول من الله عليهم