على أن يهدوه ولو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلوا عبدا
______________________________________________________
قدرتكم عليه ، وقد منع الله نبيه صلوات الله عليه من ذلك وقال : « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » (١) وأما إظهار الحق فإنما يجب مع عدم التقية ، مع أنه قد تبين الرشد من الغي وتمت الحجة عليهم بما رأوا من فضل الأئمة وعلمهم وورعهم وكمالهم ، وفجور خلفائهم الجائرين وبغيهم ، وانتشرت الأخبار الدالة على الحق بينهم ، ويكفي ذلك لهدايتهم إن كانوا قابلين ، ولإتمام الحجة عليهم إن كانوا متعنتين.
« الثاني » أن يكون الأمر بها عند عدم ظهور الحق واشتباه الأمر على الناس والنهي عنها ، أو تجويز تركها عند وضوح الحق وظهور الأمر كما أشرنا إليه.
« الثالث » أن يحمل أخبار الأمر على ما إذا كان لظهور الحق وهداية الخلق ، وأخبار النهي على ما إذا كان للمراء والمخاصمة ، وإظهار الفضل والكمال ، والتعنت والغلبة ، وإن كان بالباطل ، وهذا من أخس صفات الذميمة وأرذلها.
« الرابع » يمكن حمل بعض أخبار النهي على المسائل التي نهي عن الخوض فيها كمسألة القدر وكنه صفات الباري تعالى وأشباه ذلك.
« الخامس » أن يكون النهي محمولا على مجادلة من يعلم أنه لا يؤول إلى الحق لشدة رسوخه في باطله.
« السادس » أن يكون بعضها محمولا على من لا تقدر على إلقاء الحجج ودفع الشبه فيكون مخاصمته سببا لقوة حجة الخصم ورسوخه في ضلالته ، ويدل عليه ما رواه الكشي عن عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن الناس يعيبون علي بالكلام وأنا أكلم الناس؟ فقال : أما مثلك من يقع ثم يطير فنعم ، وأما من يقع ثم لا يطير فلا ، وعن الطيار قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : بلغني أنك كرهت مناظرة الناس؟ فقال : أما كلام مثلك فلا يكره من إذا طار يحسن أن يقع ، وإن وقع يحسن أن يطير ، فمن كان هكذا لا نكرهه ، وعن حماد قال : كان أبو الحسن عليهالسلام يأمر محمد
__________________
(١) سورة القصص : ٥٦.