الحكم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبت الأنبياء والرسل قال إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ـ فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جل وعز وهم الأنبياء عليهمالسلام وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم مؤيدين
______________________________________________________
« من أين أثبت » على صيغة المخاطب وربما يقرأ على بناء المفعول وهو بعيد « متعاليا عنا » أي عن مشابهتنا والاشتراك معنا في الحقيقة والصفة ، وقوله : متعاليا ثانيا أريد به تعاليه عن العبث واللغو ، أو عن أن يشاهده الخلق ويلامسوه ، فقوله : « لم يجز » صفة موضحة ، وعلى الأول يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر لكان ، ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بالملامسة والمباشرة معنييهما الحقيقيين ، أو إدراكه بحقيقته فإنه يستلزم حصول حقيقته سبحانه في الذهن ، أو إدراكه على وجه الكمال ، والمراد بالخلق أكثرهم ، أو إدراك كل أحد على ما ينبغي ويليق به بالمعنى بلا واسطة.
وقوله : ثبت ، جواب لما ، والسفراء : جمع سفير من سفر بين القوم أي أصلح ، أو من السفر بمعنى الكشف والإيضاح « على مصالحهم ومنافعهم » أي الدنيوية والأخروية « وما به بقاؤهم » من أمور المعاش ، أو الأعم منها ومن العبادة والمعرفة ، فإن بقاء الخلق بهما « غير مشاركين للناس » أي في التقدس والقرب والكمالات.
ثم اعلم أنه عليهالسلام أشار بذلك إلى براهين شتى على اضطرار الناس إلى الرسل نذكر منها وجهين جامعين :
الأول : أنه لما ثبت وجود الصانع تعالى وحكمته وأنه لا يفعل العبث ، ولو لم يكن الخلق مكلفين بمعرفته وعبادته ليفوزوا بهما بالمثوبات الأخروية والكمالات النفسانية ، لكان خلقهم عبثا ، إذ يعلم كل عاقل أن اللذات الدنيوية المشوبة