______________________________________________________
بأنواع المحن والآلام لا تصلح علة لهذا الخلق والنظام ، وأما معرفته سبحانه فلا يمكن حصولها للخلق إلا بوحيه سبحانه ، لتعاليه عن مشاركة الخلق في حقائقهم ، ومشابهته لهم حتى يعرفوا حقيقته بذلك كما تعرف سائر الخلق به ، وهو متعال عن أن يدرك بالحواس أيضا حتى يعرف بذلك ، وكذا معلوم أن ما يوجب القرب والكمال من الأخلاق والأعمال مما لا تفي بها القوي البشرية والعقول الإنسانية فلا بد في معرفة جميع ذلك من وحي من الله سبحانه وتلقى الوحي منه تعالى لا يتيسر لجميع الخلق ، إذ لا بد من نوع مناسبة بين الموحي والموحى إليه حتى يفهم ما يلقى إليه فلذا أرسل الله تعالى من عباده أقواما من جهة روحانيتهم وتقدسهم وتنزههم عن الأدناس البشرية يناسبون الملإ الأعلى وبهذه الجهة يتلقون الوحي من ربهم جل وعلا ، ومن جهة بشريتهم وتجسمهم ومشاكلتهم للخلق في صورهم وأجسامهم ومعاشرتهم لهم في ظواهر أحوالهم ، يلقون الوحي إليهم.
وأيضا لو كان الله تعالى يلقي الوحي إلى سائر الخلق كما ألقى إلى نبينا صلىاللهعليهوآله في ليلة المعراج وغيرها ، وإلى موسى عند الشجرة ، لم تتم الحجة عليهم ، لأنه لم تكن لهم قابلية أن يعرفوا أن ذلك الوحي من قبله سبحانه وليس من الشياطين ، بخلاف ما إذا سمعوا من بشر مثلهم يأتي بما لا يقدرون على الإتيان بمثله ، فثبت أنه لا بد من سفراء بينه سبحانه وبينهم ، ولا بد أن يكونوا من نوع البشر ، وأن يكونوا مع مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب مباينين لهم في سائر أحوالهم وأطوارهم وأخلاقهم مقدسين منزهين روحانيين ليضاهئوا الملإ الأعلى كما مر ذكره فيما مضى ، ومعصومين مؤيدين بالمعجزات ليكونوا حجة على غيرهم.
وهذا مما خطر ببالي القاصر ، وهو بيان شاف ، وبرهان كاف لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الثاني : ما ذكره السالكون مسلك الحكماء وهو مبني على مقدمات عقلية :
أوليها : أن لنا خالقا صانعا قادرا على كل شيء.