______________________________________________________
والثانية : أن الله جل اسمه متعال عن التجسم والتعلق بالمواد والأجسام ، وعن أن يكون مبصرا أو محسوسا بإحدى الحواس خلافا للكرامة ومن يحذو حذوهم.
والثالثة : أنه تعالى حكيم عالم بوجوه الخير والمنفعة في النظام ، وسبيل المصلحة للخلائق في المعيشة والقوام والبقاء والدوام.
والرابعة : أن الناس محتاجون في معاشهم ومعادهم إلى من يدبر أمورهم ويعلمهم طريق المعيشة في الدنيا ، والنجاة من العذاب في العقبى وذلك لأنه من المعلوم أن الإنسان لا تتمشى معيشته لو انفرد وحده شخصا واحدا كغيره من أنواع الحيوان يتولى أمره من غير شريك يعاونه على ضروريات حاجاته ، وأنه لا بد من أن يكون مستغنيا بآخر من نوعه يكون ذلك أيضا مستغنيا مكفيا به وبنظيره ، فيكون هذا يزرع لهذا وهذا يطحن لذاك ، وذلك يخبز لآخر وآخر يخيط لغيره ، وهذا يبني وهذا يتخذ الحديد ، وهذا ينجر وعلى هذا القياس ، حتى إذا اجتمعوا كان أمرهم مكفيا ولهذا اضطروا إلى عقد المدن والاجتماعات للمعاملات والمناكحات وسائر المعاونات والمشاركات.
وبالجملة لا بد في وجود الإنسان وبقائه من المشاركة ، ولا تتم المشاركة إلا بالمعاملة ، ولا بد في المعاملة من سنة وقانون عدل ، ولا بد للسنة والعدل من سان ومعدل ، ولا يجوز أن يترك الناس وآراءهم وأهواءهم في ذلك ، فيختلفون ، فيرى كل أحد منهم ما له عدلا وما عليه ظلما وجورا ، ولا بد أن يكون هذا المعدل والإنسان بشرا لا ملكا ، لأن الملك لا يراه أكثر الناس إلا أن يتشكل بشرا ، لأن قواهم لا تقوى على رؤيته على صورة الملكية ، وإنما رآهم الأفراد من الأنبياء بقوتهم القدسية.
ثم لو فرض أن يتشكل بحيث يراه سائر الخلق كجبرئيل في صورة دحية كان ملتبسا عليهم كالبشر كما قال تعالى : « وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ