من عند الحكيم العليم بالحكمة ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل
______________________________________________________
ما يَلْبِسُونَ » (١) فلا بد أن يكون الإنسان له خصوصية ليست لسائر الناس حتى يستشعر الناس فيه أمرا لا يوجد لهم ، فيتميز به منهم ، فيكون له المعجزات التي أخبرنا بها والحاجة إلى هذا الإنسان في أن يبقى نوع البشر ، ويتحصل وجوده أشد من كثير من المنافع التي لا ضرورة فيها للبقاء كإنبات الشعر على الحاجبين ، وتقعير الأخمص للقدمين ، وما يجري مجراهما من منافع الأعضاء التي بعضها للزينة وبعضها للسهولة في الأفعال والحركات ، كما يظهر من علم التشريح ، ووجود هذا الإنسان الصالح لأن يسن ويشرح ممكن وتأييده بالآيات والمعجزات الموجبة لإذعان الخلق له أيضا ممكن فلا يجوز أن تكون الغاية الأولى (٢) تقتضي تلك المنافع ، ولا تقتضي هذه التي هي أصلها وعمدتها.
فإذا تمهدت هذه المقدمات فثبت وبين أنه واجب أن يوجد نبي وأن يكون إنسانا ، وأن تكون له خصوصية ليست لسائر الناس وهي الأمور الخارقة للعادات ، ويجب أن يسن للناس سننا بإذن الله وأمره ووحيه ، وإنزال الملك إليه ، ويكون الأصل الأول فيما يسنه تعريفه إياهم أن لهم صانعا قادرا واحدا لا شريك له ، وأن النبي عبده ورسوله ، وأنه عالم بالسر والعلانية وأنه من حقه أن يطاع أمره ، وأنه قد أعد لمن أطاعه الجنة ، ولمن عصاه النار ، حتى يتلقى الجمهور أحكامه المنزلة على لسانه من الله والملائكة بالسمع والطاعة.
ففي هذا الحديث الشريف تصريح وتلويح إلى جميع ذلك كما لا يخفى على المتأمل.
قوله : « ثم ثبت ذلك » أقول : يحتمل هذا الكلام وجوها :
الأول : أن يكون المعنى أن الدليل المتقدم إنما يدل على وجوب النبي
__________________
(١) سورة الأنعام : ٩.
(٢) في نسخة « المنامة » بدل « الغاية ».