فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح قال نعم قلت لا بد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح قال نعم فقلت له يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك قال فسكت ولم يقل لي شيئا.
______________________________________________________
والسمع يسمع الصوت الواحد عند الجبل ونحوه مما فيه صلابة أو صقالة صوتين ، لانعكاس الهواء المكيف بكيفية السمع إلى الصماخ تارة أخرى ، ويقال للصوت الثاني : الصداء ، وكما تجد الذائقة الحلو مرا لغلبة المرة الصفراء على جرم اللسان ، وكذا تشمئز الشامة من الروائح الطيبة بالزكام ، فهذه وأمثالها أغلاط حسية يعرف القلب حقيقة الأمر فيها.
وقيل : معناه أن النفس مع هذه القوي الحسية الظاهرة ، تحتاج إلى قوة حاكمة عليها ، إذ من شأنها من حيث هذه القوي هذه الإدراكات التصورية دون التصديقات واليقينيات ، فلا يستيقن إلا بقوة أخرى هي الحاكمة باليقينيات ، وهي القوة التي بها تخرج عن الشك إلى اليقين ، فإنما أقام الله القلب بإعطاء هذه القوة لتخرج بها النفس عن تلك المرتبة التي شأنها بحسبها الشك وعدم الاستيقان إلى مرتبة اليقين ، ثم إذا كان بحكمته لا يخل بإعطاء ما تحتاج إليه نفسك في وصولها إلى كمالها القابلة ، كيف يخل بما يحتاج إليه الخلق كلهم ، لخروجهم عن حيرتهم وشكهم إلى الاستيقان بما فيه بقاؤهم ونجاتهم عن الضلال والهلاك ، فأول هذا الكلام تنبيه على حكمته المقتضية للصلاح والخير وإعطاء ما يحتاج إليه المستكمل في الخروج من النقصان إلى الكمال ، والوصول إلى النجاة عن الضلال ، وآخره الاستدلال من تلك الحكمة على إقامة الإمام الذي إنما يحصل نجاة الخلق عن حيرتهم وشكهم بمعرفته ، والأخذ عنه ، والاهتداء بهداه.