إن الله تبارك وتعالى لو شاء لعرف العباد نفسه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنهم « عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » فلا سواء من اعتصم الناس به ولا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون
______________________________________________________
أنصارهم أهل الجنة ، وأعداءهم أهل النار ، وهم يعرفون الفريقين في الدنيا بسيماهم ، لا بظواهر أعمالهم وقوله عليهالسلام : « ونحن الأعراف الذي لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا » أراد بالأعراف ما يعرف به الشيء سواء كان ما به المعرفة ذاتا أو صفة من باب تسمية الشيء باسم سببه. أما قوله : ونحن الأعراف يعرفنا الله ، فأراد بالأعراف هاهنا نفس المعروف بالذات ، كما يطلق العلم على الصورة العلمية ، وهي المعلومة بالذات فإنه تعالى بهم يعرف أمتهم وأتباعهم إلى آخر ما حققه ولا نطيل الكلام بإيراده.
قوله عليهالسلام : « ولكن جعلنا أبوابه » أي أبواب معرفته وعلمه « وصراطه » الذي يعرف طريق عبادته « وسبيله » الذي به يعرف الوصول إلى قربه وجنته ، والحاصل أنه تعالى كان قادرا على أن يعرف العباد جميع ذلك بنفسه ، لكن كانت المصلحة مقتضية لأن يجعلنا وسيلة فيها « ولا سواء » أي ليس بمستو من اعتصم الناس أي المخالفون به ولا سواء من اعتصمهم به ، نظير قوله تعالى : « وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ » (١) وفيه مبالغة في نفي التساوي ، أو الثاني تكرار للأول والشق الآخر محذوف فيهما ، أي لا سواء من اعتصموا به ومن اعتصمتم به ، ولا يستوي صنع الناس وصنعكم (٢) في الاعتصام.
أقول : ويحتمل أن يكون المراد بالناس جميعهم من المحقين والمبطلين ، وكذا من اعتصموا به ، أي ليس الذين يعتصم الناس بهم متساوين ، ولا سواء المعتصمون بهم أو ما ينتفعون به منهم.
وفيه : أنه لا بد من حمل الناس ثانيا على المخالفين ، وكونه في كل من الموضعين بمعنى آخر بعيد ، ثم بين عليهالسلام عدم المساواة على الوجوه كلها فقال : حيث ذهب الناس
__________________
(١) سورة فاطر : ٢٢.
(٢) وفي بعض النسخ « منع الناس ومنعكم » والظاهر هو المخطار.