« يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » يكاد العلم ينفجر بها « وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ » إمام منها
______________________________________________________
الشمس عليها حينا دون حين ، بل بحيث تقع عليها طول النهار كالتي تكون على قلة جبل أو صحراء واسعة ، فإن ثمرته تكون أنضج وزيتها أصفى أو نابتة في شرق المعمورة وغربها بل وفي وسطها وهو الشام ، فإن زيتونة أجود الزيتون ، أولا في مضحي تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها ، أو في مقناة تغيب عنها دائما فتتركها نيا « انتهى ».
وأقول : هذا ما يتعلق بالمشبه به ، وأما تطبيقه على المشبه فإن إبراهيم عليهالسلام لكونه أصل عمدة الأنبياء وهم عليهمالسلام أغصانه وتشعبت منه الغصون المختلفة من الأنبياء والأوصياء من بني إسرائيل وبني إسماعيل ، واستنارت منهم أنوار عظيمة في الفرق الثلاث من أهل الكتب من اليهود والنصارى والمسلمين ، فكان إبراهيم عليهالسلام كالشجرة الزيتونة من جهة تلك الشعب والأنوار ، ولما كان تحقق ثمار تلك الشجرة وسريان أنوار هذه الزيتونة في نبينا وأهل بيته صلوات الله عليهم أكمل وأكثر وأتم ، لكونهم الأئمة الفضلي ، وأمتهم الأمة الوسطى وشريعتهم وسيرتهم وطريقتهم أعدل السير وأقومها كما قال تعالى : « وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً » (١) كما أن اليهود كانوا يصلون إلى المغرب والنصارى إلى المشرق ، فجعل قبلتهم وسط القبلتين ، وكذا في حكم القصاص والديات وسائر الأحكام جعلوا وسطا فشبه إبراهيم عليهالسلام من جهة تشعب هذه الأنوار العظيمة منه بزيتونة لم تكن شرقية ولا غربية ، أي غير منحرفة عن الاعتدال إلى الإفراط والتفريط ، المتحققين في الملتين والشريعتين ، وأومأ بالشرقية إلى النصارى ، وبالغربية إلى اليهود لقبلتيهم ، ويمكن أن يكون المراد بالآية الزيتونة التي تكون في وسط الشجرة في شرقها ، فلا تطلع الشمس عليها بعد العصر ، ولا غربية لا تطلع الشمس عليها في أول اليوم ، فيكون التشبيه أتم وأكمل « يَكادُ زَيْتُها » أي زيت الشجرة أو الزيتونة ، والمراد بالزيتونة في المشبه المادة البعيدة للعلم ، وهي الإمامة والخلافة التي منبعهما إبراهيم حيث قال سبحانه : « إِنِّي جاعِلُكَ
__________________
(١) سورة البقرة : ١٤٣.