كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزا فربنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضد ولا ند ولا كيف ولا نهاية ولا تبصار بصر ومحرم على القلوب أن تمثله وعلى
______________________________________________________
لأنه علة ومبدء لكل ما يغايره ، والمبدأ المفيض أكمل وأتم من المعلول الصادر عنه المفاض عليه منه ، فكل ناقص إضافي أحق بالمعلولية من المبدئية لما هو أكمل وأزيد منه ، وهذا ينافي ربوبيته ويتم به المطلوب لكنه لما أراد إلزام ما هو أظهر فسادا وهو لزوم عجزه عن قوته ضم إليه قوله : وما كان غير قديم كان عاجزا ، لأنه كان معلولا لعلته ومبدئه ، مسخرا له غير قوي على مقاومته.
إذا عرفت ذلك فربنا تبارك وتعالى لا شبه له لأن شبه الممكن ممكن ، ولا ضد له لأن الشيء لا يضاد علته ، ومقتضى العلية والمعلولية الملازمة والاجتماع في الوجود ، فلا يجامع المضادة ولا ند له ، لأن المثل المقاوم لا يكون معلولا ولا قديم سواه بدليل التوحيد ، ولا كيف له لكونه تاما كاملا في ذاته ، غير محتمل لما يفقده ولا نهاية له لتعاليه عن التقدر والقابلية لما يغايره.
ولا يبصار بصر ، وفي بعض النسخ ولا تبصار بالتاء ، أي التبصر بالبصر ، ومحرم على القلوب أن تمثله أي أن يجعل حقيقته موجودا ظليا مثاليا ، ويأخذ منه حقيقة كلية معقولة لكونه واجب الوجود بذاته لا تنفك حقيقته عن كونه موجودا عينيا شخصيا ، وعلى الأوهام أن تحده لعجزها عن أخذ المعاني الجزئية عما لا يحصل في القوي والأذهان ، ولا يحاط بها فلا تأخذ منه صورة جزئية ، وعلى الضمائر أن تكونه الضمير السر وداخل الخاطر والبال ، ويطلق على محله كما أن الخاطر في الأصل ما يخطر بالبال ويدخله ، ثم أطلق على محله ، والتكوين التحريك ، والمعنى أنه محرم على ما يدخل الخواطر أن يدخله ، وينقله من حال إلى حال ، لاستحالة قبوله لما يغايره ، أو المراد بالضمائر خواطر الخلق وقواهم الباطنة ، وأنه يستحيل أن يخرجه من الغيبة إلى الحضور والظهور عليهم ، أي ليس لها أن تجعله بأفعالها متنزلا إلى مرتبة الحضور عندهم.