وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنم لذراها ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل ظهرت على أعدائي وأظهرني الله على خصمي يخبر عن الفلج والغلبة فهكذا ظهور الله على الأشياء ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده ولا يخفى عليه شيء وأنه مدبر لكل ما برأ فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تبارك وتعالى لأنك لا تعدم صنعته حيثما توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك والظاهر منا البارز بنفسه والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا كقول القائل أبطنته يعني خبرته وعلمت مكتوم سره والباطن منا الغائب في الشيء المستتر وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأما القاهر فليس على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا والمقهور منهم يعود قاهرا والقاهر يعود مقهورا ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق ملبس به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به لم
______________________________________________________
ومنه تسنمه أي علاه ، والذرى بضم الذال المعجمة وكسرها جمع الذروة بهما ، وهي أيضا أعلى الشيء.
قوله عليهالسلام : لا يخفى عليه شيء ، يحتمل إرجاع الضمير المجرور إلى الموصول ، أي لا يخفى على من أراد معرفته شيء من أموره : من وجوده وعلمه وقدرته وحكمته وعلى تقدير إرجاعه إليه تعالى لعله ذكر استطرادا ، أو إنما ذكر لأنه مؤيد لكونه مدبرا لكل شيء ، أو لأنه مسبب عن علية كل شيء ، أو لأن ظهوره لكل شيء وظهور كل شيء له مسببان عن تجرده تعالى ، ويحتمل أن يكون وجها آخر لإطلاق الظاهر عليه تعالى ، لأن في المخلوقين لما كان المطلع على شيء حاضرا عنده ظاهرا له ، جاز أن يعبر عن هذا المعنى بالظهور ، والعلاج : العمل والمزاولة بالجوارح.