وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور.
فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى الذي ليس له
______________________________________________________
فيه وتفكر بمعنى ، أي تحير في إدراك حقائق ملكوته وخواصها وآثارها وكيفية نظامها وصدورها عنه تعالى الأفكار العميقة ، الواقعة في مذاهب التفكير أو مذاهب التفكير العميقة ، فيكون إسناد الحيرة إليها إسنادا مجازيا.
« دون الرسوخ في علمه » الرسوخ : الثبوت أي انقطع جوامع تفسيرات المفسرين قبل الثبوت في علمه أو عنده ، إشارة إلى قوله تعالى : « وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ » (١) وقد مرت الإشارة إلى توجيهه في باب النهي عن التفكر في ذاته تعالى هذا إذا كان المراد بقوله : في علمه ، في معلومه ، ويحتمل أن يكون المراد في العلم به سبحانه أو في إبانة حقيقة علمه سبحانه بالأشياء.
« وحال دون غيبه المكنون » المكنون : المستور ، والمراد معرفة ذاته وصفاته ، فالمراد بالحجب النورانية والظلمانية المعنوية من كماله تعالى ونقص مخلوقاته أو الأعم منها ومن سائر العلوم المغيبة ، فالحجب أيضا أعم أو المراد أسرار الملكوت الأعلى من العرش والكرسي والملائكة ، الحافين بهما وسائر ما هو مستور عن حواسنا بالحجب الجسمانية ، والتيه : التحير ، والأدنى : الأقرب ، والإضافة في « طامحات العقول ولطيفات الأمور » من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والطامح : المرتفع ، والظرف في قوله : في لطيفات ، متعلق بالطامحات ، بأن يكون « في » بمعنى إلى ، أو حال منه فتبارك إما مشتق من البروك بمعنى الثبات والبقاء أو من البركة وهي الزيادة ، والهمة العزم ، ويقال : فلان بعيد الهمة إذا كانت إرادته تتعلق بالأمور العالية ، والمعنى لا تبلغه الهمم العالية الطالبة لأعلى وأبعد ما من شأنها الوصول إليه ، وكذا المراد بغوص
__________________
(١) سورة آل عمران : ٧.